كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني
حذفت في الوصل؛ لضرب من التخفيف, قالوا: والدليل على ذلك أن الشاعر إذا اضطُرّ فصلها من الكلمة كما يفصل "قد", من ذلك قوله:
عجل لنا هذا وألحقنا بذل ... الشحم إنا قد مللناه بجل
ففصلها1 في البيت الأول، ثم ردها في أول الكلمة بعد؛ لأنها مرت في البيت الأول، فكأنها لما تباعدت أُنسيها أو لم يعتد بها، وهذا أحد ما يدل عندي على أن ما كان من الرجز على ثلاثة أجزاء فهو بيت كامل, وليس بنصف بيت على ما ذهب إليه أبو الحسن. ألا ترى أنه رد "ال" في أول البيت الثاني؛ لأن الأول بيت كامل. وقد قام بنفسه وتمت أجزاؤه، فاحتاج في ابتداء البيت الثاني إلى أن يعرف الكلمة التي في أوله, فلم يعتد بالحرف الذي قد كان فصله؛ لأنهما ليسا في بيت واحد.
ولو كان هذان البيتان بيتًا واحدًا كما يقول من يخالف، لما احتاج إلى رد حرف التعريف، ألا ترى أن عبيدا لما جاء بقصيدة طويلة الأبيات وجعل آخر المصراع الأول "أل", لم يُعِد الحرف في أول المصراع الثاني لما كانا مصراعين, ولم يكن كل واحد منهما بيتًا قائمًا برأسه؟ وذلك قوله:
يا خليليّ اربعا واستخبرا الـ ... ـمنزل الدارس من أهل الحلال
مثل سحق البرد عفَّى بعدك الـ ... ـقطر مغناه وتأويب الشمال
ولقد يغنى به جيرانك الـ ... ـممسكو منك بأسباب الوصال
تطرد هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا على هذا الطراز إلا بيتا واحدا، وهو قوله:
فانتجعنا الحارث الأعرج في ... جحفل كالليل خَطَّار العَوال2
__________
1 ظ, ش: فقطعها.
2 ظ، ش: العوالي.
الصفحة 66
464