كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني

لتسمعن وشيكا في دياركم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا
وقد أجاز أبو الحسن الخَرْم في أول المصراع الثاني بخلاف قول الخليل، وجاء ذلك في الشعر. قال الراعي:
وعاشرة وهو قد خافها ... فهو يبسبس أو ينقر
وقال امرؤ القيس:
وعين لها حدرة بدرة ... شقت مآقيها من أخر
فلما كانت هذه الأشياء التي من شأنها أن تأتي في أول البيت جائزة في أول المصراع، دل ذلك على أن المصراع يكاد يقوم بنفسه.
وإذا كان كذلك أشبه البيت التام وتنزّل المصراعان لذلك منزلة البيتين، فلما كان أول "الممسكو" في المصراع1 الأول، وباقيه في المصراع الثاني، وهما كالبيتين المنفصلين، ازدادت الكلمة طولا، فازداد حذف النون جوازا، وليس "الحافظو" كذلك؛ لأن الكلمة بكمالها في المصراع الأول، فلم تطل طول "الممسكو"2 وهذا فصل فيه طول2، وكلا الاسمين إنما وجب فيه الحذف لطوله.
وأقول: إن اتصال3 الألف واللام بالاسم أشد من اتصال "قد وسوف" بالفعل. والدليل على ذلك أنهم يقولون: "مررت بالرجل" فيُوصلون عمل الباء إلى الاسم ولا يعتدون الألف واللام فاصلا. ولو كانتا فاصلا لم يجز فصلهما بين الجار والمجرور، "وقد، وسوف" ليسا كذلك؛ لأن "قد, وسوف" يجوز أن يفصل بينهما وبين الفعل للضرورة نحو قولهم: "قد زيدًا رأيتُ" و"سوف زيدًا أضربُ" والألف واللام لا يجوز أن يفصل بينهما وبين الاسم4 [المعرف بهما] وإنما اشتد اتصال حرف التعريف بالاسم4؛ لأنه في الأصل على حرف واحد وهو اللام،
__________
1 المصراع: ساقط من ظ، ش.
2، 2 عن ص، وفي هامشه: في نسخة فهذا فصل طريف. وفي ظ، ش: وهذا فصل فيه لطف.
3 اتصال: ساقط من ظ، ش.
4، 4 ما بينهما ساقط من ظ، ش. وما بين المعقوفين في الأصل المعرفة هما, وهو تصحيح.

الصفحة 68