كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني

عند إرادتك إياهما منه، أو بعثك إياه عليهما. فأما ما تبلغ منه مرادك بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصح منه الفعل فنحو قولك: "قطعتُ الحبلَ فانقطع، وكسرتُ الحبَّ فانكسر"؛ ألا ترى أن الحب والحبل لا يصح منهما الفعل؛ لأنه لا قدرة لهما، وإنما أردت ذلك منهما فبلغته بما أحدثته أنت فيهما، لا أنهما توليا الفعل؛ لأن الفعل لا يصح من مثلهما، إلا أنهما قد صارا إلى مثل حال الفاعل الذي يصح منه الفعل، وذلك أن الفعل1 صار حادثا فيهما كما كان حادثا في الفاعلين على الحقيقة، فأما قول الشاعر:
ولا يَدِي في حميت السمن تندخل
فهو من أدخلته، ونظيره أطلقته فانطلق، وهو من باب القطع الحبل؛ لأن اليد لا تكون فاعلة، إنما هي آلة يفعل بها، كما يقال: "سمعت بأذني، ونظرت بعيني" وإنما الفاعل هو الجملة, لا العضو وحده.
واعلم أن انفعل إنما أصله من الثلاثة ثم تلحقه الزيادتان2 من أوله نحو: "قطعته فانقطع، وسرحته فانسرح", ولا يكاد يكون فَعَلَ منه إلا متعديا حتى يمكن المطاوعة والانفعال، ألا ترى أن قطعت متعد وكذلك كسرت وقلعت، وقد جاء فَعَلَ منه غير متعد، أنشدني أبو علي عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش3 أُراه قال قرأته عليه:
وكم منزل لولاي طحت كما هَوَى ... بأجرامه من قلة النيق منهوي4
وإنما هو5 مطاوع هَوَى: إذا سقط، وهَوَى غير متعد كما ترى، وقد
__________
1 ظ، ش: الفاعل، وهو خطأ.
2 ص: الزيادات.
3 الأخفش: ساقط من ظ، ش.
4 ظ، ش: منهو, بدون ياء.
5 ظ، ش: هذا.

الصفحة 72