كتاب شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (اسم الجزء: 1)

ولأنَّهُ أبلغُ في حصول المقصود، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب على صوتُهُ واشتدَّ غضبُهُ كأنَّهُ مُنذِرُ جيش (¬1).
فإن قُلْتَ: فقد أنكرَ - صلى الله عليه وسلم - هذا الإنكارَ؟
قُلْتُ: لعلَّ إنكارَهُ - عليه السلام - لأجلِ مُعارِضِ (¬2) الجهلِ من الأعرابي، وقربِ العهد بالإِسلامِ (¬3)، والإنكارُ من هذا الوجهِ لا يُنافي الإغلاظَ عندَ عدم هذا المُعارِض، والله أعلم.

الرابعة: فيهِ أنَّ مبادرةَ الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين إلَى الإنكارِ بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن غيرِ مُراجعة، ليسَ من باب التَّقدم بين يدي الله ورسوله، وذلك أنَّهُ قد تقرَّرَ عندهم من الشرعِ ما أوجبَ الإنكارَ، فأمرُ الشرع متقدّمٌ، فلا يكونُ فعلُهُم تقدُّماً (¬4)، ولا شكَّ أنَّ هذه الواقعةَ الخاصَّة لمْ يتقدَّمْ فيها إذنٌ، فيدلُّ علَى أنَّهُ لا يُشتَرَطُ الإذنُ الخاص، ويُكتفَى بالعامّ، وقد اختلف المُفسرون في معنَى قوله تعالَى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] (¬5).
¬__________
(¬1) رواه مسلم (867)، كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(¬2) "ت": "لمعارض" بدل "لأجل معارض".
(¬3) "ت": "من الإِسلام".
(¬4) "ت": "متقدماً".
(¬5) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة. =

الصفحة 518