كتاب الإصابة في تمييز الصحابة (ط هجر) (اسم الجزء: 1)
فإن قيل: التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة؛ وهي قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} الآية - يخرج من لم يتصف بذلك؛ وهي من أصرح ما ورد في المقصود؛ ولهذا قال المازري في شرح البرهان: لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول - كل من رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما ما، أو زاره لماما، أو اجتمع به لغرض وانصرف، عَن كثب، وإنما نعني به الدين لازموه وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. انتهى.
والجواب، عَن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة. وأما كلام المازري فلم يوافق عليه؛ بل اعترضه جماعة من الفضلاء. وقال الشيخ صلاح الدين العلائي: هو قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية، عَن الحكم بالعدالة: كوائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وعثمان بن أبي العاص، وغيرهم؛ ممن وفد عليه صَلى الله عَلَيه وسَلم، ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف؛ وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد، ولم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل، والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور، وهو المُعَتِّبر، والله سبحانه وتعالى أعلم.