كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)
من وجوه التناول وعبر بالأكل؛ لأنه أحسن أوقاف الإنسان التي يشارك فيها البهيمة، وهما الأكل والجماع، وقوله تعالى: (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) حمل النفس على التأكيد، وأن الربا ربا الجاهلية، ويحتمل أن يكون تأسيسا على ما قال اللخمي في كتاب الصرف: من أن الربا ثلاثة أقوال، قيل: هو فتح الدين بالدين، وهو ربا الجاهلية، وقيل: المراد به بيع حرم التعامل فيه؛ لأن الربا في اللسان هو الزيادة، وقيل المراد: كل بيع محرم كان تحريمه من جهة الزيادة أو غيرها، وهو قول عائشة وعمر.
قال ابن عرفة: فعل القول الأول يكونوا نهوا من أكل مثل ربا الجاهلية، ومفهومه جواز أكل الربا غير المضاعف ببيع الطعام بالطعام إلى أجل، وبيع الذهب بالذهب متفاضلا.
قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}
قال ابن عرفة: إن قلت: لم أتى في الرحمة بلفظ الرجاء مع أن طاعة الله والرسول لازمة للرحمة، فأجاب بوجهين: إما أنه على عادة الأمراء والسلاطين في وعدهم أنهم يعبرون على الأمر الثابت المحقق الذي يلتزمون فعله بلفظ الرجاء، وإما أنه باعتبار نية المكلف، وأنه يفعل العبادة غير معتقد ..... للثواب والرحمة بل بترجي ذلك، ويطمع فيه فقط، ولا ينبغي له أن يكتفي بعمله، ولا يقطع بذلك بوجه.
قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ... (133)}
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول المسارعة مفاعلة لَا يجعلها لتكلف بها إلا مع فعل الغير، وهي فرض على الأعيان لَا على الكفاية، فكل واحد من النَّاس مكلف بها أن يفعلها حالة فعل الآخر لها فيلزم عليه التكليف يفعل الغير، وهو تكليف ما لا يطاق، قال: فأجبناه نحن بأنه ليس المراد سارعوا بعضكم إلى مغفرة، وإنما المراد سارعوا الموت فكل واحد منا مكلف بل يسبق أجله بفعل الخيرات، والطاعة خوف أن يسبقه الأجل فيقطعه عن ذلك ويمنعه من دخول الجنة، فإن قلت: هلا قيل: إلى غفران من ربكم؛ لأنه جنس المغفرة مفرد، قال: فالجواب أنه لو قيل: إلى غفران لما تناول الأمن هو كثير النسيان فسارع إلى الغفران الكثير مع أن كل واحد لَا يخلو من ذنب يغض به، وإن قل فلما قال: (إِلَى مَغْفِرَةٍ) عم ذلك قليل السيئات وكثيرها، قال: هم محتاجون إلى مغفرة فهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنهم إذا أمروا
الصفحة 410
464