كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)

ابن عرفة: جعل الزمخشري قسم الشيء قسما له؛ لأن الظلم أعم من الفاحشة والصواب أن يقال: الفاحشة هي الكبيرة وظلم النفس هي الصغيرة، أو فيهما عموم وخصوص من وجه دون وجه، فالفاحشة تطلق على ظلم النفس وغيره، وظلم النفس يطلق على الفاحشة وغيرها، فإذا ظلم نفسه بأدنى الظلم الذي ليس بزائد في القبح فليس بفاحشة، وإذا ظلم غيره بأقبح الظلم فهو فاحشة، وليس بظلم نفس، فإن قلت: الظلم قبيح منهي عن الاتصاف به، فهلا عبر بأن الدلالة على عدم الوقوع وعلى إرادة عدم الوقوع، فالجواب: أنه إذا كان جواب الشرط هو المقصود عبر بـ إذا كقولك: إذا ولي عمر بن عبد العزيز، فاسكن حيث شئت من البلاد وإذا ولي عبد مجدع الأطراف فاسمع له وأطع، فليس المراد ولاية العبد، وإنَّمَا المراد عموم الأمر بالسمع والطاعة، فالمقصود في الأول الشرط، وفي الثاني جوابه، وكذلك المراد هنا تأكيد الاتصاف بذكر الله تعالى والاستغفار، أي استغفروا الله لأجل ذنوبكم، وهذا هو التوبة، وفسر ابن عطية الإصرار بأمور وحاصلها فعل الذنب وعدم التوبة، فإن تاب منه فليس بمصر وهو خلاف ما قال ابن زيد، فإنه في الرسالة والتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار، والإصرار المقام على الذنب واعتقاد العودة إليه، فقال ابن عرفة: الإصرار أعم من ذلك لكن هذا أقبح صورة.
قوله تعالى: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ).
قيل لابن عرفة: يؤخذ من الآية أن من هم بالفاحشة ولم يفعلها أنه يغفر له، ولا يعاقب على ذلك، فقال: نعم، الحكم كذلك إلا أنه لَا يؤخذ من الآية، فإن قلت: فهلا قيل: من يغفر ذنوبهم إلا الله كما قيل: (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)، فالجواب: أنه قصد عموم مغفرة الذنوب لهم ولغيرهم، ولاسيما على مذهب أهل السنة القائلين: بأن المعاصي في المشيئة فلا يلزم أن لَا يغفر الذنوب إلا التوبة بل يغفر بها وبغيرها، وذكر الزمخشري: هنا آثارا ظاهرها حسن يوافق عليه أهل السنة، لكن مقصده جاء غير حسن؛ لأنه إنما جلبها تقوية لمذهبه الفاسد وأنشد فيها لرابعة:
ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لَا تجري على اليبس
قال ابن عطية: وروى أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من عبد يذنب [ذنبا*] ثم يقوم فيتطهر ويصلي ركعتين ويستغفر إلا [غُفر له*] " قال ابن عرفة:

الصفحة 414