كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)
قيل لابن عرفة: ابن إسحاق قال: هي خاصة بكفار بدر ففيها أمحق الكافرين، فرده ابن عرفة: بأن المحق قسمان: حسي، ومعنوي فمحق بعض الكافرين يوجب إذلال الباقين وحسرتهم، فهو محق لهم بالمعنى.
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ... (142)}
أي: دخولا أولياء، وهو الدخول المسبب عن الجهاد.
قوله تعالى: (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
ابن عرفة: عبر عن المجاهدين بالفعل، وعن الصابرين بالاسم؛ لأن الصبر عام فلا توجد عبادة من العبادات إلا مع الصبر، فلذلك عبر بما تقتضي الثبوت واللزوم لعمومه، وأيضا فالجهاد متلف للنفس، وكل عبادة مما سواه هي مشقة على النفس فقط، والصبر على المتلف للنفس ألزم، وأقوى من الصبر، فلذلك عبر عن الصبر بالاسم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ... (143)}
ابن عرفة: هذا تعارض قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "لَا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية"، فالجواب: أن ذلك كان في أول الإسلام حيث كان الكفر كثيرا، والإسلام قليلا فنهوا عن تمني لقاء العدو، ثم قعد وكسع عن قتاله حين اللقاء أشد عقاب ممن لَا يتمنون لقاء العدو، ولا خطر له ببال.
قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ... (144)} .. قال ابن عرفة: تضمنت الآية أمرين
أحدهما: أنه من البشر، كقوله تعالى: (قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُمْ) فوصف الرسالة فيه ليس ذاتيا له بل هو اختصاص من الله تعالى.
الثاني: العتب على من هم بالردة من المسلمين في غزوة أحد لما صرخ الصارخ بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد قتل، وقال ناس من المنافقين: لو كان نبيا ما قتل، فأخبر الله تعالى بأن الرسل من قبله قد ماتوا وثبتت أممهم على دينهم، ولم
الصفحة 423
464