كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)

أنشد ابن عطية هنا:
[وكَائِنْ تَرَى مِنْ صامِتٍ لكَ مُعْجِبٍ ... زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ في التَّكَلُّمِ*]
قال أبو عبيد في الأمثال: البيت للأحنف بن قيس، كان يجالسه رجل يطيل الصمت حتى عجب منه الأحنف، ثم إنه تكلم يوما، فقال للأحنف: يا أبهر تقدر أن تمشي على شرف المسجد فعنده تمثل البيت وبعده
لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
قال شيخنا: أخبرا شيخنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحباب قال أخبرنا شيخنا الفقيه الأستاذ أبو العباس أحمد بن يوسف السلمي الكناني قال: قلت لشيخنا الأستاذ أبي الحسن علي بن عصفور: لم أكثرت من الشواهد في شرحك للإيضاح على (كَأَيِّنْ)، قال: لأني دخلت على السلطان الأمير أبي عبد الله المنتصر فألفته ابن هشام خارجا من عنده، فأخبرني أنه سأله عما يحفظ من الشواهد على قراءة (كَأَيِّنْ) فلن يستحضر غير بيت الإيضاح:
[وكائنْ بالأباطحِ من صديقٍ ... يرانى لو أصبتُ هو المصابا*]
قال ابن عصفور: فلما سألني أنا، قلت له: أحفظ خمسين بيتا، فلما أنشدته نحو العشرة، قال حسبك، ثم أعطاني خمسين دينارا فخرجت فوجدت ابن هشام جالسا بالباب، فأعطيته شطرها.
قوله تعالى: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا).
قال ابن عرفة: هذا ترتيب حسن؛ لأن الوهن أشدها وعليه الضعف، وعليه الاستكانة، فنفى أولا الأبلغ، ثم نفى ما دونه، ثم نفى ما دونه؛ لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وفي الآية الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، وما ضعفوا لما أصابهم.
قال ابن عرفة: والضمير في (وَهَنُوا) إما على لفظ الربيين دون معناه، مثل عندي درهم ونصفه؛ لأن من قل لَا يوصف بعدم الوهن، وإما عائد على أن الربيون لفظا، ومعنى، ويكون المراد أنهم ماتوا على حالة التجلد والشدة من غير خوف في نفوسهم ولا ضعف في قلوبهم بوجه.

الصفحة 426