كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)
قال ابن عطية: وهذا من المنافقين، قول بأن للإنسان أجلين، فرده ابن عرفة بأن نقول: لعلهم وقفوا مع الأمور العارية، ولم يعتقدوا ذلك مذهبا.
قوله تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ).
ابن عرفة: فيه سؤال مذكور في حسن الائتلاف لم أسند الابتلاء للصدور والتمحيص للقلوب، ثم أجاب بأن الابتلاء هو الاختيار فهو إشارة إلى كمال تعلق علم الله تعالى، فإذا كان علمه عام التعلق ناسب أن يسند لك الأعم، وهو الصدر، وأما التخصيص فهو تخليص شيء بشيء وتصفيته فالمناسب تعلقه بالمعنى المقصود من الإنسان، وهو القلب كما في حديث "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ... (155)}
قال ابن عرفة: في لفظ هذه من التلطفة والإشفاق ما ليس في سورة الأنفال، وهو قوله تعالى: (يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) والتطلف فيها من وجهين:
الأول: التصريح بلفظ الدبر في آية الأنفال دون هذه.
الثاني: أن لفظ التولي يقتضي تكليف الفعل، فهو إشارة إلى أن لهم في ذلك عذر أما وأنهم إنما فعلوه إنظار وتكليفا وليس باعتبارهم؛ لأنهم فرقوا بين ولّوا وتولوا، كما فرقوا بين كرم وتكرم، فلذلك رتب عليه الوعيد الأخف مع العفو.
قيل لابن عرفة: وأيضا فإن هذا إخبار عن واقع فناسب التلطف به وتلك الأخبار عما سيقع فناسب بأن نعبر عنه باللفظ البليغ الشديد صرفا عنه وإبعادا.
قوله تعالى: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ).
قال ابن عرفة: إن كانت السين للعطف فظاهر، وإن تكن كذلك فيكون (اسْتَزَلَّهُمُ) بمعنى أن أزلهم، فإن أريد بسوء العاقبة فالسين للتحقيق، وإن أريد قبح الفعل الواقع منهم في الحال مجريا من غير تحقيق، قال الفخر: واحتج بها الكعبي من
الصفحة 432
464