كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)
المعتزلة على أن الشر لَا يقع من الله لأجل أداة الحصر، وأجاب ابن عرفة بأن نسبته لغيره، وإنما هي في اللفظ فقط على جهة الأدب والكل من خلقه وفعله، والحصر في الآية إنما هو في لفظ ببعض، أي لم يستزلهم إلا الشيطان إلا ببعض مكسوبهم، وليس المراد أنهم لم يستزلهم إلا الشيطان بوجه.
قال الزمخشري: فإن قلت لم قيل: (بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) وأجاب: بأنه كقوله تعالى: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ابن عرفة: هذا بناء منه على أن المراد ما كسبوه من الشر فعفوا أكثره وبقي أقله هو شر يسببه بوسوسة الشيطان، وأما لفظ (كَسَبُوا) صادق على كل ما مكسوبهم من خير وشر، فالشر بعضه، فلا يرد السؤال بوجه.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).
الحليم هو الذي لَا يعالج بالعقوبة فيؤخر العاصي ليستدرك فيتقي لما يغفر له.
وقوله تعالى: (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا ... (156)
ابن عرفة: إذا نهى الإنسان عن التشبيه بل هو متصف بوصفين، فالنهي مصروف إلى الوصف الأخص منهما، وهو القول الذي لأجله وقع النهي، والآخرة إما في النسب، أو في الدين، وهو هذا أخص من ذلك؛ لأنهم فالوه لأصحابهم من المنافقين، ونظيره ما يأتي، قلت لابن عرفة: في (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) فانظره والظاهر أن إذا ضربوا حكاية حال ماضية، قال الفخر ابن الخطيب: والآية حجة على الكرامية القائلين: بأن مجرد النطق بالشهادتين كاف في حصول الإيمان، وإن لم يصحبه الاعتقاد القلبي لقوله تعالى: (كَالَّذِينَ كَفَرُوا) فجعل المنافقين كفارا مع أنهم نطقوا بالشهادتين في الظاهر، وإن لم يعتقدوا بقلبهم شيئا، وأما هؤلاء فهم يعتقدون نقيض الشهادة فهم كفار بالضرورة.
قال ابن عرفة: وما أضعف الفخر في التفسير؛ لأن بعضهم يقول: فيما إذا اشتمل الكلام على المعاني بين أمرين معطوفين بواو، ثم رتب عليها أمران آخران، فإِنه يجوز عطفهما بـ أو، أو عطفهما بالواو كهذه الآية.
قوله تعالى: (أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا).
قال ابن عرفة: هذا وقف منهم على الأمور العالية، ابن عطية: [مَن جمع غاز، وزنه فُعل كشاهد وشهد*]، قال رؤبة: فالآن أول علم ليس بالسنة، وقول الآية فلأنه أي: إن
الصفحة 433
464