كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)

لم تتب الآن فلا تتوب أبدا، وهو مثل معناه: إن لم يكن كذا فهو كذا، وقال الأصمعي: إن لم يكن كذا فلا يكن كذا، قلت، وقال أبو عبيد في الأمثال في باب طلب الحاجة: معناه هذا الآن فلا يكن بعد الآن.
قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ).
قال الزمخشري: معناه أن الله عند اعتقادهم ذلك الأمر الفاسد يضع الغم والحسرة في قلوبهم وتضيق صدورهم عقوبة.
ابن عرفة: هذا فيه ترقيق لمذهبه الاعتزال إلى الفساد؛ لأن قولهم (لَوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا)، ومذهبهم أن الله لَا يخلق المعصية ولا يريدها فلذلك أسند الجعل الواقع من الله تعالى إلى متعلق القول، ولم يسنده إلى القول نفسه، ونحن نقول: اسم الإشارة راجع إلى نفس مقالتهم لَا إلى متعلقاتها وهي الحسرة والحيرة والحزن والندم، وهي مختلفة المعاني فالحزن هو التألم، والتفجع على أمر وقع من غير تسبب فعل للمتألم كمن يحزن على ميت، فالندم هو التلهف على عدم فعل الشيء، كما ورد "لا يقول أحدكم لو كان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، والحيرة: هو التألم من أمر أنت قادر على فعله، ومتمكن منه ففرطت فيه حتى فات، فكذلك هؤلاء كانوا قادرين على الجلوس في بيوتهم.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ).
إن قلت: ما فائدة ذكر الإحياء مع أن الكلام في موت من مات؟ قلت: فائدته التسوية بين الأحياء والأموات فمعنى أنكم كما شاهدتم الإحياء، وعلمتم أن الله تعالى هو الذي أحياهم من غير سبب كذلك فاعلموا أن الله تعالى قادر على إماتتهم من غير سبب، فقد يموتون وهم في بيوتهم، وقد يحضرون القتال ويشعرون بالجراح ويعيشون.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
قرئ بتاء الخطاب يشمل المؤمنين والمنافقين، فهو وعد ووعيد، وقرئ بياء الغيبة فخص المنافقين، ويكون صوابه وعيد فقط.

قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ... (157)}

الصفحة 434