كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)
أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، وثبوت الأخص يستلزم نفي الأعم؛ لأن هذا البيان عدم البيان، ويكون إما بكتم الكتاب عنهم من أصل، وإما بإلقائه لهم مبهما غير مبين فلما أمر بالبيان توهم أنهم ما بيتوا للأمة إلا ما سمعوه منهم، وأما ما يبلغ النَّاس فلا يلزمهم ببيانه، فقيل: فلا تكتموا عنهم ما بلغكم منه ولم يشعروهم به، قلت: لئلا يقال أنهم ما يجب عليهم أن تبلغوا النَّاس إلا آية التكليف وما يتعلق به حكم من وعد ووعيد ونحوه، فيبلغون ويعلموا بمقتضاه وما سوى ذلك هي القصص الخارجة عن أمور التكاليف العملية والعلمية فليس بواجب عليهم فأخبر عن ذلك بقوله تعالى: (وَلَا وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، وأجيب أيضا بأن المراد (لَتُبَيِّنُنَّهُ) لعوام النَّاس (وَلَا تَكْتُمُونَهُ) عن خواصهم أي القوه مبينا وغير مبين بحسب الحاضرين، قلت: وأمروا ببيان ما نزل فيه إذا كانوا يلقوه عليهم غير مبين، وأن لَا يكتم عنهم ما سينزل منه في المستقبل.
قوله تعالى: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ).
قال الفقيه أبو العباس أحمد بن غلبون يقول: الظهر هو الوجه، فهو من وجوه قدامهم، وأجيب: بأن المراد بالظهر مقابل الأمام فهم نبذوه ورائهم مبالغة في النبذ، وتقدم نظيره في البقرة.
قوله تعالى: (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا).
جعل الثمن مشترى، وهم متمنون لكن كل واحد منهما مشتري يباع، وانظر ما سبق في البقرة في قوله تعالى: (ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا).
قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ... (188)}
ابن عطية: قرأ حمزة (لَا تَحْسَبَنَّ) بالتاء وكسر السين فلا تحسبنهم بالتاء، وكسر السين وفتح الباء.
ابن عرفة: الذي ذكر في القراءة بفتح السين وتنكير مفازة للتقليل، أي لَا تحسبنهم بمفازة قليلة من العذاب، وإذا انتفى دل على نفي الكثير من باب أحرى.
قوله تعالى: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
ابن عرفة: وتقدم لنا أن هذه الواو عكس هذه الواو في قوله تعالى: (يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُم) لأن تلك نص سيبويه على أنها واو الحال، وليست عاطفة والمانع لفظي حسبه المفهوم.
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (189)}
الصفحة 453
464