كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)

قال ابن عرفة: اختلفوا هل الخلق نفس المخلوق أو غيره؟ فحجة من قال: [إنه*] نفسه فإنه لو كان غيره للزم عليه إما قدم العالم إذا قلنا: إن ذلك الخلق لَا يفتقر إلى خلق آخر، وإما مع التسلسل إذا قلنا بالافتقار، وأجاب الآخرون بأنه لو كان نفسه للزم عليه إضافة الشيء إلى نفسه في هذه الآية وأمثالها.
ابن عرفة: والتحقيق في الشرع يطلق ويراد نفس المخلوق، كقوله تعالى: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) والآخر يطلق على الإنشاء والاختراع والتكوين كهذه الآية، والتأكيد من تنبيه على غفلة النَّاس كالتفكر في مخلوقات الله تعالى كقول الشاعر:
جاءَ شقيقٌ عارضًا رُمْحَه ... إِن بني عَمِّكَ فيهم رِمَاحُ
واكتفى هنا بذكر الليل والنهار عن ذكر لازمها، وهما الشمس والقمر وعكس في نوح، فقال: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16).
قوله تعالى: (لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).
أي في كل واحد منهن آية، ابن عطية: والمراد العقل التكليفي لَا أزيد من ذلك.

قوله تعالى: {قِيَامًا وَقُعُودًا ... (191)}
جعل ابن عطية الواو بمعنى، أو فهو على تنويع النَّاس، الزمخشري: ابن عمر وعروة وجماعة، أنهم خرجوا يوم العيد فتلا بعضهم هذه الآية، فقاموا يذكرون الله على أقدامهم.
ابن عرفة: مذهبنا أن الذكر جالسا أفضل، ابن عطية: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لَا عبادة كالتفكر" ابن عرفة: لأنه إذا تفكر في مخلوقاته وقدرته يستزيد علما بمعبوده، ومجرد العبادة لَا تزيد علما فلذلك كان التفكير أفضل.
قوله تعالى: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا).
فسره الزمخشري على مذهبه، وهو ظاهر في مذهبهم، وكان بعضهم يستضعف فهم الآية على مذهب أهل السنة، وسألني عنها فقلت له: معناها ما خلقت هذا مخالفا لما أتتنا به الرسل عنه من الحصر والنشر والإعادة والثواب والعقاب بل هو موافق ذلك، ودليل عليه لَا لأجله وعلة فيه، ومثله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) وكون فعل الله تعالى إما واجب، وإما جائز، أو مستحيل فالمعتزلة يقولون: بالوجوب بقاعدة التحسين والتقبيح العقلي، ونحن نمنع

الصفحة 455