كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)

الوجه الثالث أن قولك: سمعت المنادي يحتمل، إما سماعك نداءه، أو سماعك منه قولا آخر غير النداء، فلما قال: ينادي للإيمان فهم أن المراد سماع ما نودي به.
قوله تعالى: (فَآمَنَّا).
فيه حجة لما اختار عياض، وهو القول الثالث في مسألة القائل: أنا مؤمن فلابد من زيادة إن شاء الله تعالى أولا، فقال عياض: إن أراد في المستقبل في التقبل وما يقع به فلا بد من زيادتها وإن أراد صحة معتقده في الوقت الحالي فيجب حذفها، فهذا حجة لعياض نقلها في المدارك لما عرف بمحمد بن سحنون فإن لَا يستثنى، وابن عبدوس يستثنى وانظر ما سبق في البقرة في قوله تعالى: (قُولُوا آمَنا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَينَا).
قوله تعالى: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا).
الزمخشري: الذنوب الكبائر، والسيئات الصغائر.
ابن عرفة: الصواب العكس لَا حل الترتيب لئلا يكون تكرارا لغير فائدة؛ لأن مغفرة الكبائر يستلزم مغفرة الصغائر من باب أحرى ألا ترى أن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر، ولا يرد هذا بعد قوله هذا: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) فالمراد بالسيئات الكبائر والمغفرة الستر، فلا يلزم منها للتخوف بذلك، قال تعالى: (وَكَفر عَنا سَيئَاتِنَا) ليفيد محو الذنب من أصل، وكذلك هو في الدنيا والآخرة، فقال: هذا إن [أُفرد الدعاء بها، وأمَّا إن أقرناها*] بالتكفير، فهو دليل على إرادة ما قلناه أن الستر في الدنيا، والمحق في الآخرة.

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (194)}
قيل: أي على تصديق رسلك، وقيل: على ألسنة رسلك، والعطف في الآية ترقٍ؛ لأن الأول جلب ملائم، (وَلَا تُخْزِنَا) دفع مؤلم وهو آكد من دفع الملائم.
قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
ابن عرفة: الصواب أن يراد إنك لَا تخلف ما وعدتنا به، وليس المراد لَا تخلف الميعاد بالإطلاق عليه سؤال، الزمخشري: في طلب الوفاء بالعهد مع أنه حق لَا حلف فيه.

قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ... (195)}
قال ابن عطية: ليس هو لطلب الفعل بل بمعنى أجاب، كـ:
وداعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجيبُ إِلَى النَّدَى ... فلَمْ يستَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجِيبُ

الصفحة 457