كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 1)

سماها نزلا مع أن النزل هو ما يقدم للضيف ساعة نزوله، وهو أدنى مما تقدم له إذا مات، فإن هذا فعل من أجله فيختبر فيه أحسن المطالب ويبلغ فيه المجهود بخلاف الأول إشارة إلى سعة رحمة الله تعالى فجعل الجنة نزلا فقط عما وراءها من الإحسان والخير أكثر من ذلك، قال الفخر: واحتج بها أهل السنة على إثبات الرؤية ليس ثم ما هو خير من الجنة إلا النظر إلى وجه الله عز وجل.

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ... (199)}
قال الزمخشري: نزلت في أصحاب النجاشي، وقيل: في عبد الله بن سلام ونظائره. ابن عرفة: عبر عنهم بالمضارع مع أنهم كانوا آمنوا، فهو على التصوير على أنه النجاشي وللتجدد على أنه المراد غيره؛ لأن النجاشي قد مات فإن قلت: المنزلة إليهم متقدمة في النزول على المنزل إلينا فهلا قدم في اللفظ؟ فالجواب: أنه قدم ما هو بالوقوع؛ لأن إيمانهم بكتابنا مستبعد الوقوع، فكان تصديق الأخبار بإيمانهم به أهم وهذا كما قالوا: في قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)، فقدم الأمر بتحرير الرقبة وقدم الدية لكون المقتول كافرا فهي مستبعدة الوقوع خشية أن يترك.
قوله تعالى: (لَا يَشتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا).
قال ابن عرفة: الآية تعريض بأخبار اليهود فإنهم كانوا يقبلون الرشا ويأخذونها على تحريف آيات الله عز وجل، فإن قلت لم قيل: (ثَمَنًا قَلِيلًا) فمفهومه أنهم يشترون بآيات الله ثمنا كثيرا، قلنا: إن وقع فما يقع إلا قليلا أبدا، ولو كان مثل أحد ذهبا.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
المراد سرعة وقته أي قربه، وقيل: سرعة مدته وقصرها، وإذا كان المخلوق، قال: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)، ثم وفي بذلك وقدر عليه فما بالك بالخالق.

قوله تعالى: {اصْبِرُوا ... (200)}
الزمخشري: أي صابروا أعداء الله في الجهاد، أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب ولا تكونوا أقل منهم صبرا، زاد ابن عطية: (وَصَابِرُوا) أنفسكم أي عاندوها وأكرهوها على الصبر على الجهاد.

الصفحة 460