كتاب نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد (اسم الجزء: 1)

وقد يذكر البسيلي والسلاوي عند إيراد الآية ما لا يذكره كل منهما منفردا، فيزيد أحدهما على الآخر بتفصيل أو زيادة.
فعند قوله تعالى: (وإنا على ذهاب به لقادرون)، يرى البسيلي أن "الآية دالة على تعلق القدرة بالعدم الإضافي"؛ وهذ كل كلامه على الآية، فيما أن السلاوي يأتى بكلام أئمة التفسير على الآية -ابن العربي والزمخشري-، مطرزا له بانتقادات ابن عرفة، مردفا له بحكاية عن أحمد بن حنبل، لصيقة الدلالة بالآية.
وليس يغضي من قيمة تفسير البسيلي الإقرار بأن كلام الشريف أقوم بالمعنى وأوعى في النقل، وأخلص في التوجيه؛ وهذا سياق كلامهما عن قوله تعالى: (فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب)، ليتبدى لك ما أسلفته. قال البسيلي: "نسب الإنشاء إلى الماء، وإن شاركه التراب؛ لأن الماء هو الجزء المكمل". ويورد الشريف عن ابن عرفة ما يشفي الغلة ويوضح المعنى فيقول: "فإن قلت: إن السبب في خروج النبات التراب والأرض والماء، فلم أسند إنشاءه في جميع آيات القرآن إلى الماء خاصة دون ما عداه؟. فأجاب: بأنه إشارة إلى إبطال مذهب الطبائعية ومن تبعهم، وتنبيه على أن جميع الكائنات إنما هي بقدرة الله تعالى، لأنه لو أسند ظهور النباتات إلى التراب والأرض، لكان فيه إبهاما ودليلا للطبائعية، لأن الأراضي مختلفة بالجودة والرداءة والتوسط، والنبات لاختلف الطعم والروائح والألوان، فكأن يقول الطبائعي: هذا الاختلاف في النبات لاختلاف الأراضي، فأسند ظهور النبات إلى المطر المنزل من السماء، وهو متحد في اللون والطعم والريح، فدل أن ذلك الاختلاف في النبات لا لسبب ولا لطبع ولا طبيعة، بل بقدرة الله تعالى وإرادته، ولو يشاء أن ينبت تلك الأشياء بغير مطر لأنبتها، ولو شاء أن ينبتها في غير تراب لأنبتها ولكنه أجراها على الأمور العادية المألوفة، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال: وهذا ذكره الناس في كتبهم؛ قال الضرير في أرجوزته:
وَرُدَّ قولُ الطَّبَعِيِّ الجاحدِ ... بقوله (تُسْقى بماء واحد)

الصفحة 209