كتاب نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد (اسم الجزء: 1)

- فالأَولُ: كقولِه تعَالى: (رَبنَا وَسِعْتَ كل شَىْءٍ رحمَةً وعِلْما)، فهذا ظاهِر فِي الإرادَةِ؛ لأنَّ الوُسْعَ عبارةٌ عنْ عُمُومِ التعلق، ويدُل على ذلك أيضاً اقترانُها بالعِلْم، وأن وُسْعَ الرحمةِ كوُسْعِ العِلم. وهذا ظاهِرٌ في الإِرَادةِ.
- وأمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فيه مَذْهبُ القاضِي فقولُهُ تعَاَلى: (هَذا رَحْمَةٌ مِن ربِّي) إشارةً إلى السَّدِّ، وهُو إحسانٌ مِنَ اللهِ تَعالى، لَا إِرَادَتُهُ القديمَةُ.
- وأما مَا يحتمِلُ الأَمْرَيْن، فهَذَا الموضِعُ، والذِي في فاتِحَةِ الكِتَابِ.
وَمَذهبُ الشَيْخ أقربُ منْ مذهبِ القَاضي؛ لأَن الرحمةَ التي وُضِعَ اللفْظُ بإِزَائِها حقيقة فيها هيَ رقة الطّبْع، ويلْزَمُهَا أمْران: الأَوَّلُ إرادةُ الإحْسانِ، والثاني الإحسانُ نفسُه؛ فهُمَا لازِمَان للرِّقَّةِ التي هي حقيقةُ اللفْظِ. والتَّعبيرُ بلفْظِ الملْزُوم عَنِ اللازم مجازٌ عُرْفيٌّ شائِعٌ، وإنْ شئْتَ جعلتَهُ مِنْ إطْلاقِ اسْمِ السبَبِ على الْمُسببَ، غيرَ أن إرادةَ الإحسانِ ألزَمُ للرِّقَةِ؛ فإِنَّ كلَّ مَن رحمتَهُ فأحسنتَ إليْه، فقدْ أرَدْتَ الإحسانَ إليه، وقد تريدُ الإحسانَ وتقْصُرُ قدرتُكَ عنه، فَثَبَتَ أن الإرادةَ أكثرُ لزوماً للرِّقَةِ، ومَتَى قَرُبَتِ العلاقةُ كانَ مجازُها أرْجَحَ".
والنص بطوله للقرافي في "فروقه"، وهو أيضا في "ترتيب الفروق واختصارها" للبقوري: 1/ 458 - 459.
3 - الموطن الثالث، عند شرحه لبيت الشاطبي:
ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
"وقوْلُ الشاطبي: "ومهما": عَامَّةٌ، فَيَصِح فيهَا الابتداءُ والنَصبُ بفعْل يُفَسِّرُهُ "تَصِلْ"، والتَّقدير: وَأيُّ بسْملةٍ تصلُ "تَصِلْهَا"، والظَرْفيةُ بمعْنى: وَأَيّ وقتٍ تصلُ البسملةَ علَى القَوْلِ بجَوَازِ ظَرْفيَّتِهَا. وأما هُنَا فيتعَين كونُها ظرْفاً لـ "تصِل"، بتقْدير: "وأيّ وقْتٍ تَصِلُ بَراءَةَ". أوْ مفعولاً بهِ حُذِفَ عاملُه: أي "وَمَهْمَا تَفْعَلْ"، ويكوَن "تصل" و "بَدَأتَ" بَدَلَ تَفْصِيل من ذلكَ الفِعْل.
وأمَّا ضميرُ "تَصِلْهَا" فَلَكَ أَّنْ تُعيدَه على اسْم مضمرٍ قَبْلَه محذوف، أَيْ: ومهْمَا تفعل في تصلها، أوْ بَدَأْتَ بِهَا، وحَذَفَ "بِهَا". ولَمَّا خَفِيَ المعنى بحذفِ مرْجِعِ الضميرِ، ذَكَرَ بَرَاءَةَ بياناً له، إِمَّا على أنَّهَا بَدَلٌ منه، أوْ على إضمارِ "أعْني". وَلَكَ أن تعيدَه

الصفحة 220