كتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي - العلمية (اسم الجزء: 1)

يقول سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول قال لي الشافعي : الإجماع أكثر من الخبر المنفرد وليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره هذا ليس بشاذ إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس فهو شاذ من الحديث قال أحمد : وهذا النوع من معرفة صحيح الحديث من سقيمه لا يعرف بعدالة الرواة وجرحهم وإنما يعرف بكثرة السماع ومجالسة أهل العلم بالحديث ومذاكرتهم والنظر في كتبهم والوقوف على روايتهم حتى إذا شذ منها حديث عرفه.
وهذا هو الذي أشار إليه عبد الرحمن بن مهدي وهو أحد أئمة هذا الشأن ولأجله صنف الشافعي كتاب الرسالة وإليه أرسله وذلك أنه قيل له كيف تعرف صحيح الحديث من خطأه ؟ قال كما يعرف الطبيب المجنون.
وقال مرة أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك فقال هذا جيد وقال هذا بهرج أكنت تسئل عم ذلك أو كنت تسلم الأمر له ؟ قال بل كنت أسلم الأمر له قال فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة.
قال أحمد : وقد يزل الصدوق فيما يكتبه فيدخل له حديث في حديث فيصير حديث روي بإسناد ضعيف مركبا على إسناد صحيح وقد يزل القلم فيخطئ السمع ويخون الحفظ فيروى الشاذ من الحديث عن غير قصد فيعرفه أهل الصنعة الذي قيضهم الله لحفظ سنن رسوله صلى الله عليه وسلم على عباده وهو كما قال يحيى بن معين لولا الجهابذة لكثرت الستوقة والزيوف في رواية الشريعة فمتى أحببت فهلم ما سمعت حتى أعزل لك منه نقد بيت المال أما تحفظ قول شريح : إن للأثر جهابذة كجهابذة الورق أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ قال حدثنا يحيى بن منصور القاضي قال حدثنا محمد بن عمر بن العلاء الجورجاني قال أخبرنا يحيى بن معين فذكره في حكاية ذكرها.
وقد روينا عن الأوزاعي أنه قال كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزيف فما عرفوا منه أخذنا وما أنكروا تركنا.

الصفحة 82