كتاب أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد (معتزلي) (اسم الجزء: 1)

ومشاكلة اللفظين (¬1) فى الصورة، وإن اختلفا فى المعنى، ومثل هذا قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ؛ [البقرة: 194]، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها؛ [الشورى: 40]. ومثله قول الشاعر- وهو عمرو بن كلثوم التغلبىّ.
ألا لا يجهلن أحد علينا … فنجهل فوق جهل الجاهلينا (¬2)
وإنما أراد المجازاة على الجهل، لأن العاقل لا يفخر بالجهل ولا يتمدّح به.
والوجه الرابع أن يكون الراوى وهم وغلط من الضمّ (¬3) إلى الفتح: وأن يكون قوله «يملّ» بالضمّ لا بالفتح، وعلى هذا يكون له معنيان: أحدهما أنه لا يعاقبكم بالنار حتى تملوا عبادته (¬4) وتعرضوا عن طاعته، لأن الملّة هى مشتوى الخبز؛ يقال: ملّ الرجل الخبزة (¬5) وغيرها يملّها ملّا إذا اشتواها فى الملّة. وقيل: إنّ الجمر لا يقال له ملّة حتى يخالطه رماد؛ والمعنى الثانى أن يكون أراد أنّه لا يسرع إلى عقابكم (¬6)، بل يحلم عنكم ويتأنّى بكم حتى تملّوا حلمه، وتستعجلوا عذابه، بركوبكم المحارم وتتابعكم (¬7) فى المآثم (¬8).
***
¬__________
(¬1) ت، وحاشية ف (من نسخة): «اللفظتين».
(¬2) من المعلقة ص 238 بشرح التبريزى.
(¬3) فى الأصل: «فى الفتح إلى الضم»، وفى ت، د، ف: «من الفتح إلى الضم»، والتصويب من حواشى الأصل، ت، ف.
(¬4) ت، د، ف: «من عبادته».
(¬5) الخبزة: العجينة توضع فى الملة حتى تنضج، وفى حاشية الأصل (من نسخة): «الخبز».
(¬6) من نسخة بحاشيتى الأصل، ت: «رفقا بكم».
(¬7) فى حاشيتى الأصل، ف:
«التتابع: التمادى فى الشر؛ يقال: تتابع فى الخير، وتتابع فى الشر».
(¬8) حاشية ف: «قيل فى هذا الخبر إن معناه أن الله لا يمل وإن تملوا؛ ومثله قول الراجز:
نحن بنى ضبّة لا نفرّ … حتى نرى جماجما تخرّ
يريد: لا نفر وإن خرت جماجمنا؛ أى لا نفر أصلا. وقول الشاعر فى بعض الروايات:
ولم تشاركك عندى بعد غانية … لا والّذي أصبحت عندى له نعم
حتى أمرّ على الشّقراء معتسفا … خلّ النقا بمروح لحمه زيم
فسر ذلك على أنه لم يشاركك لا وهو حتى أمرّ على الشقراء، ولا يريد أنه إذا حل ذلك الموضع شاركتك غانية».

الصفحة 57