كتاب أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد (معتزلي) (اسم الجزء: 1)

ولو أراد بأبيضهم بياض الثوب ونقاءه على الحقيقة لما جاز أن يتعجب بلفظة «أفعل»، فالذى جوّز تعجّبه بهذه
اللفظة ما ذكرناه.
فأما قول المتنبى:
ابعد بعدت بياضا لا بياض له … لأنت أسود فى عينى من الظّلم (¬1)
فقد قيل فيه إن قوله: «لأنت أسود فى عينى» كلام تام، ثم قال: «من الظلم» أى من جملة الظّلم؛ كما يقال: حرّ من أحرار (¬2)، ولئيم من لئام؛ أى من جملتهم، وقال الشاعر (¬3):
وأبيض من ماء الحديد كأنّه … شهاب بدا واللّيل داج عساكره
كأنه قال: وأبيض كائن من ماء الحديد، وقوله: «من ماء الحديد» وصف لأبيض، وليس يتّصل به كاتصال «من» بأفضل فى قولك: هو أفضل من زيد، ولفظة «من» فى بيت المتنبى مرفوعة الموضع، لأنها وصف لأسود؛ وإذا أريد المفاضلة والتعجب كانت منصوبة الموضع بأسود (¬4) كما تقول زيد خير منك، فمنك فى موضع نصب بخير، كأنه قال: قد خارك يخيرك، أى فضلك فى الخير؛ وهذا التأويل المذكور فى بيت المتنبى يمكن أن يقال فى قول الشاعر:
* أبيض من أخت بنى إباض*
ويحمل على أنه أراد من جملتها ومن قومها، ولم يرد التعجب وتأوّله على هذا الوجه أولى من حمله على الشذوذ، فأما قول المتنبّي:
* ابعد بعدت بياضا لا بياض له*
¬__________
(¬1) ديوانه 4: 35؛ وهو يخاطب الشيب، وقبله
ضيف ألمّ برأسى غير محتشم … والسّيف أصدق فعلا منه باللّمم.
(¬2) ش، ف، وحاشية ت (من نسخة): «حر من الأحرار ولئيم من اللئام».
(¬3) البيت فى شرح العكبرى لبيت المتنبى، أورده من غير عزو.
(¬4) حاشية ف: «إذا قلت زيد أضرب من عمرو كان الجار مع المجرور فى موضع النصب على المعهود من حال الجار والمجرور؛ لأنه على تقدير: غالب زيد عمرا فى الضرب فغلبه؛ فيكون إذا «من عمرو» فى موضع النصب؛ لأنه فى معنى المفعول على ما ذكرنا».

الصفحة 93