كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذهبية ما ذهب أيدى سبا وتمزق شذر مذر (¬1)، ويقتض من أبكاره ما مضت عليه القرون، ويفتض من ختامه ما انطوى على كل در مكنون، وينسج على منوال التفهيم تفاصيل محرره، ويحوى من القصب ما أحرز المدى وأطرب، وسكرت عن تبعه أبصار قوم لم يذوقوا حل ألوانه المكررة، ويقدم للطلاب معمولا على نمط ما قلاه من
المتحلين باستعمال الأدب عام ولا خاص، محشوا بتأليف حبات من القلوب تصلح مسيرا طبقا عن طبق لدست (¬2) الخواص، مختصا بصواب من مختار القول لأنه معمول ومقدم وتقديم المعمول مفيد للاختصاص. ويكون واسطة بين مفتاح المشرق ومصباح المغرب، خليا من العصبية حريا بالنسبة إلى مصر فإنها بقعة من عند الله مباركة طيبة لا شرقية ولا غربية فسبحان فالق إصباحها عن اعتدال يكون بين الحق والباطل فيصلا.
وجاعل الشّمس مصرا لا خفاء به … بين النّهار وبين اللّيل قد فصلا (¬3)
وكيف لا يدرك الفسطاط من هذا العلم المدى ويسلك فى إبراز حقائقه طرائق قددا، ويستخرج من ركابه أفلاذ الأكباد، ويضم من جياده ما سرح فى البلاد بداد، وهو قد اقتلع من تخوم خوارزم أساس البلاغة وأخذ زهرة أصفهان وأخلى ابن داود منها باعه وزفت إليه من ثم الخريدة بالأغانى وكفل لنيسابور اليتيمة فكان كما دل عليه الخبر خير المغانى، واقتطع من جيد المغرب عقده، ورشق مصنفاته بسهام النقد فما أغنت عن ابن رشيق العمدة (¬4). ونشر قلائد
¬__________
(¬1) شذر مذر: يقال ذهب القوم شذر مذر، أى: متفرقين، وتفرقت إبله شذر مذر إذا تفرقت فى كل وجه، ويتمذر: يتفرق، ويتشذر القوم: تفرقوا، عن اللسان.
(¬2) طبقا عن طبق لدست الخواص: أى حالا بعد حال لدست الخواص أى: مجلس الخواص وكلمة دست:
معربة عن المعجمة واستعملها المتأخرون بمعنى الديوان ومجلس الوزارة والرئاسة، انظر تاج العروس (1/ 543).
(¬3) البيت من البسيط، وهو لعدى بن زيد فى ديوانه ص 159، ولسان العرب (مصر)، وأساس البلاغة (مصر)، والتنبيه والإيضاح (2/ 206)، ولأمية بن أبى الصلت فى تاج العروس (مصر)، والمخصص 13/ 164.
ويروى: وجعل الشمس ...
والمصر: الحاجز والحدّ بين الشيئين، أى جعل الشمس حدّا وعلامة بين الليل والنهار. اللسان (مصر).
(¬4) لنا تحقيق على كتاب العمدة لابن رشيق، ط. المكتبة العصرية - بيروت.

الصفحة 24