كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح (اسم الجزء: 1)

وقد يحذف صدر الاستئناف؛ نحو: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ (¬1) وعليه: نعم الرجل زيد على قول (¬2).
وقد يحذف كلّه: إمّا مع قيام شئ مقامه؛ نحو قول الحماسىّ: [من الوافر]:
زعمتم أنّ إخوتكم قريش … لهم إلف وليس لكم إلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ

فإنه مثال له (قوله: وقد يحذف الاستئناف) أى: تحذف الجملة المستأنفة كلها، أما مع قيام شئ مقامه كقول الحماسى:
زعمتم أنّ إخوتكم قريش … لهم إلف وليس لكم إلاف (¬3)
التقدير: أصدقنا أم كذبنا، فقال تقديرا: كذبتم، ثم استدل عليه بقوله: لهم إلف وليس لكم إلاف، وجملة لهم إلف وليس لكم إلاف تدل على المحذوف، وإذا قلنا:
الزعم هو القول الباطل استغنينا عن تقدير كذبتم بزعمتم فلا يكون من هذا القبيل، وقد تقدم فى حقيقة الزعم قولان، قال فى الكشاف: الزعم ادعاء العلم ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم:
" زعموا مطية الكذب" (¬4) وعن شريح: لكل شئ كنية وكنية الكذب زعموا. اه.
لكن سيبويه يكثر فى كتابه من قوله: زعم الخليل لا يريد إبطال قوله وقال أبو طالب:
ودعوتنى وزعمت أنّك صادق … ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا
وقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (¬5) فانظر إلى أن التقدير: إن كنتم صادقين فى زعمكم ويجوز أن يقدر لهم إلف إلخ.
¬__________
(¬1) النور: 36 - 37.
(¬2) أى: على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف أى هو زيد، ويجعل الجملة استئنافا جوابا للسؤال عن تفسير الفاعل المبهم.
(¬3) البيت من الوافر، وهو لمساور ابن هند فى لسان العرب 9/ 10 (ألف)، وقد جاءت (قريش) بالنصب على البدلية. وتاج العروس 23/ 38 (ألف)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1449، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة 15/ 379، وتاج العروس 4/ 422 (ألت).
(¬4) " صحيح" بنحوه أخرجه أحمد وأبو داود وابن المبارك فى" الزهد" والبخارى فى" الأدب المفرد"، والطحاوى فى" مشكل الآثار" عن أبى مسعود الأنصارى - رضى الله عنه - وانظر الصحيحة (ح 866).
(¬5) سورة الجمعة: 6.

الصفحة 514