كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح (اسم الجزء: 1)

وتحقيق التشبيه فى قوله (¬1) [من الطويل]:
كأنّ عيون الوحش حول خبائنا … وأرحلنا الجزع الّذى لم يثقّب
وقيل: لا يختصّ بالشعر؛ ومثّل بقوله تعالى: اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (¬2)
ـــــــــــــــــــــــــــــ

وكذلك تكون النكتة تحقيق التشبيه فى قول امرئ القيس:
كأنّ عيون الوحش حول خبائنا … وأرحلنا الجزع الّذى لم يثقّب (¬3)
(قلت): وفيه النظر السابق، فإن المعنى لا يتم بدونه، لأن الذى لم يثقب، لم يتم المعنى بدونها لأنها مقصودة فى التشبيه. أو يقال: أريد بقوله: الجزع غير المثقب، فيكون قسما من الإيضاح بعد الإبهام لا قسيما.
ثم نقول: ليس إيضاحا بعد إبهام؛ لأن الإيضاح بعد الإبهام أن يقصد الإبهام أولا، ثم يقصد الإيضاح لغرض الإبراز فى صورتين. وهذا أريد بالجزع فيه غير المثقب، ثم اقتصر عليه، فكان إيجازا. فلما قال: لم يثقب، صار مساواة. وقيل: إن الإيغال لا يختص بالشعر، كذا عبارة المصنف. والصواب: لا يختص به الشعر، فعلى هذا يرسم بأنه ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها، كقوله سبحانه: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (¬4) لأن المقصود حث السامعين على الاتباع، ففى وصفهم بالثانى زيادة مبالغة على اتباع الناس لهم، من ذكر كونهم مرسلين.
(قلت): وإذا كان الإيغال، إما زيادة المبالغة، أو تحقيق التشبيه، فما الموجب للقول بأنه لا يكون إلا فى الشعر؟ وهلا قطع بكونه فى الشعر والنثر؛ لأن فى القرآن من ذلك ما لا يكاد ينحصر؟ إلا أن هذا اصطلاح لا مشاحة فيه.
¬__________
(¬1) الجزع: الخرز اليمانى الذى فيه سواد وبياض.
(¬2) سورة يس: 21.
(¬3) البيت من الطويل وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص 53، ولسان العرب 8/ 48 (جزع)، وأساس البلاغة ص 58، (جزع)، وكتاب العين 1/ 216، وتاج العروس 20/ 434 (جزع).
(¬4) سورة يس: 20، 21.

الصفحة 610