كتاب البهجة في شرح التحفة (اسم الجزء: 1)

هَذَا مَفْهُوم قَوْله فِي الْبَيْت قبله لعذر، وَالْمعْنَى أَن سُقُوط الْحَضَانَة إِذا كَانَ لغير عذر كَمَا لَو تزوجت بعد أَن انْتَقَلت الْحَضَانَة لَهَا أَو أسقطت حَقّهَا مِنْهَا بعد وُجُوبهَا لَهَا أَو سكتت عَاما بعد انتقالها إِلَيْهَا مَعَ علمهَا بذلك، فَإِن الْحَضَانَة لَا تعود لَهَا فِي ذَلِك كُله، وَلَو زَالَ التَّزْوِيج فِي الْمَسْأَلَة الأولى بِطَلَاق أَو موت أَو فسخ وَأَرَادَ بِالتَّزْوِيجِ الْحَقِيقِيّ وَهُوَ دُخُول الزَّوْج إِذْ لَا تسْقط حضانتها قبله وَشَمل قَوْله: تَزْوِيج مَا حدث بعد الِانْتِقَال كَمَا قَررنَا، وَمَا كَانَ مَوْجُودا وَقت الِانْتِقَال فَإِذا تزوجت الْأُم وَالْجدّة متزوجة أَيْضا بأجنبي وانتقلت الْحَضَانَة للخالة مثلا ثمَّ تأيمت الْجدّة، فَإِنَّهُ لَا ينْزع من الْخَالَة وَيرد للجدة على الْمَشْهُور كَمَا قَالَه الْبَدْر، لِأَن الْجدّة لما اتصفت بالمانع وَقت تزوج الْأُم انْتقل الْحق لغَيْرهَا وَتعلق حق ذَلِك الْغَيْر بهَا وَمَا فِي (ز) عِنْد قَوْله: أَو وليا كَابْن الْعم مِمَّا يَقْتَضِي نَزعه من الْخَالَة ورده للجدة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور وَنَحْو فِي (ت) هَهُنَا حاكياً عَلَيْهِ الِاتِّفَاق مَرْدُود بِمَا تقدم عَن الْبَدْر، كَمَا نبه عَلَيْهِ بعض المحشيين وَالتَّعْلِيل الْمُتَقَدّم الَّذِي نَقله (ز) وَغَيره عِنْد قَول الْمَتْن وَلَا تعود بعد الطَّلَاق شَاهد للمشهور الْمَذْكُور، وَظَاهر النّظم أَنَّهَا لَا تعود حَيْثُ سَقَطت بتزويج وَلَو مَاتَت الحاضنة الَّتِي بعْدهَا بعد تأيم المتزوجة، وَهُوَ كَذَلِك على الْمَشْهُور عِنْد ابْن سَلمُون وَنَصه: وَلَا تعود الْحَضَانَة لَهَا إِن طلقت بعد ذَلِك على القَوْل الْمَشْهُور، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة والعتبية، وَقيل عَنهُ فِي غَيرهمَا أَنَّهَا تعود إِن طَلقهَا الزَّوْج أَو مَاتَ عَنْهَا. قَالَ ابْن رشد: وَهُوَ قَول الْمُغيرَة وَابْن دِينَار وَابْن أبي حَازِم، وَوجه هَذَا القَوْل إِنَّه رأى أَن التَّزَوُّج من الْأُمُور الضروريات فَجعله عذرا كالمرض وَانْقِطَاع اللَّبن قَالَ: وَقد قيل إِن حَقّهَا فِي الْحَضَانَة يسْقط بالتزوج إِلَّا فِي جِهَة من حضن الْوَلَد فِي حَال كَونهَا مَعَ الزَّوْج فَإِن خلت من الزَّوْج ثمَّ مَاتَ ذَلِك الحاضن كَانَ لَهَا أَخذ وَلَدهَا، وَكَانَت أَحَق بحضانته من غَيرهَا اه. الْغَرَض مِنْهُ وبالقول الأول صدر ابْن رشد وَغَيره، وَلما نقل ابْن عبد السَّلَام هَذِه الْأَقْوَال قَالَ: وَهَذَا القَوْل الثَّالِث رَاجع عِنْدِي إِلَى القَوْل الثَّانِي الْمُقَابل للْأولِ. قَالَ اليزناسني فِي شَرحه لهَذَا الْمحل: هَذَا القَوْل الثَّالِث نَقله فِي ضيح عَن الْمُوازِية وَابْن مُحرز والمتيطي، وَعَلِيهِ اقْتصر فِي مُخْتَصره حَيْثُ قَالَ: وَلَا تعود بعد الطَّلَاق إِلَّا لكمرض أَو لمَوْت جدة وَالأُم خَالِيَة الخ. فاستثنى من عدم الْعود موت الْجدّة وَالأُم خَالِيَة، وَلَيْسَ هَذَا القَوْل الثَّالِث مَشْهُورا على مَا عِنْد ابْن الْحَاجِب وَابْن عبد السَّلَام وَغَيرهمَا كَمَا فِي ابْن عَرَفَة وَابْن سَلمُون قَالَ: وَقد وَقعت مثل هَذِه النَّازِلَة فَأفْتى فِيهَا بَعضهم بِمَا فِي الْمُخْتَصر فنازعته وَقلت لَهُ: إِن ذَلِك القَوْل غير مَشْهُور، بل الْمَشْهُور على مَا نَقله ابْن الْحَاجِب وَابْن عَاصِم وَغَيرهمَا أَن التَّزَوُّج يسْقط الْحَضَانَة جملَة فَلَا تعود لَهَا أبدا حَسْبَمَا تقدم اه. كَلَام اليزناسني بِتَقْدِيم وَتَأْخِير واختصار، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الْمُخْتَصر ضَعِيف نقلا ونظراً أما الأول فَظَاهر مِمَّا مر، وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْأُم بتزوجها كَانَت مختارة لإِسْقَاط حَقّهَا، والحاضنة إِذا أسقطت حَقّهَا لَا تعود لَهَا مُطلقًا كَمَا مر. وَحَيْثُ بِالمَحْضُونِ سَافَرَ الْوَلِي بِقَصْدِ الإِسْتِيطَانِ وَالتَّنْقُّلِ (وَحَيْثُ) ظرف مضمن معنى الشَّرْط مَعْمُول لجوابه و (بالمحضون) يتَعَلَّق بقوله (سَافر الْوَلِيّ) وَالْجُمْلَة فِي مَحل جر بِإِضَافَة حَيْثُ (بِقصد الاستيطان والتنقل) يتَعَلَّق بِمَحْذُوف حَال.

الصفحة 656