كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 1)
[مَسْأَلَة لَا يَسْجُد لِلتِّلَاوَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهِر]
(٨٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَسْجُدُ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلسُّجُودِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ؛ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَالنِّيَّةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَائِضِ تَسْمَعُ السَّجْدَةَ، تُومِئُ بِرَأْسِهَا. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي مَنْ سَمِعَ السَّجْدَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» . فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ السُّجُودُ. وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ، كَذَاتِ الرُّكُوعِ، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ كَسُجُودِ السَّهْوِ.
(٨٦٢) فَصْلٌ: وَإِذَا سَمِعَ السَّجْدَةَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ وَلَا التَّيَمُّمُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يَتَيَمَّمُ، وَيَسْجُدُ. وَعَنْهُ: يَتَوَضَّأُ، وَيَسْجُدُ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَنَا أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِسَبَبٍ، فَإِذَا فَاتَ لَمْ يَسْجُدْ كَمَا لَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَسْجُدْ، فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَعْدَهَا.
[مَسْأَلَة يُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ]
(٨٦٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا. وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالْحَسَنُ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ فِي صَلَاةٍ. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ.» قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ الثَّوْرِيُّ يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: يُعْجِبُهُ لِأَنَّهُ كَبَّرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ مُنْفَرِدٌ، فَشُرِعَ لَهُ التَّكْبِيرُ فِي ابْتِدَائِهِ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ كَسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَبَّرَ فِيهِ لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِرَقِيِّ التَّكْبِيرَ لِلرَّفْعِ. وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَا يُشْرَعُ فِي ابْتِدَاءِ السُّجُودِ أَكْثَرُ مِنْ تَكْبِيرَةٍ. قَالَ: يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَاحِدَةً، وَلِلسُّجُودِ أُخْرَى. وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَاحِدَةً، وَقِيَاسُهُ عَلَى سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ. .
[فَصْلٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ تَكْبِيرَة سُجُودِ التِّلَاوَة]
(٨٦٤) فَصْلٌ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ تَكْبِيرَةِ السُّجُودِ إنْ سَجَدَ. فِي غَيْرِ صَلَاةٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَةُ افْتِتَاحٍ، وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ، فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الرَّفْعُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا،
الصفحة 444
460