كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 1)

وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْ السَّلَفِ فِعْلُهُ، بَلْ كَرَاهَتُهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ قِرَاءَة السَّجْدَة فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا]
(٨٧٥) فَصْلٌ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا، وَإِنْ قَرَأَ لَمْ يَسْجُدْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيهَامًا عَلَى الْمَأْمُومِ. وَلَمْ يَكْرَهْهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ سَجَدَ فِي الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ السَّجْدَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ فِيهِ إيهَامًا عَلَى الْمَأْمُومِ. وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى.
وَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابُنَا: الْمَأْمُومُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» . وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ، أَوْ أُطْرُوشًا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، لَسَجَدَ بِسُجُودِ إمَامِهِ، كَذَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْد تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَانْدِفَاعِ النِّقَم]
(٨٧٦) فَصْلٌ:: وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ، وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي أَيَّامِهِ الْفُتُوحُ، وَاسْتَسْقَى فَسُقِيَ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ سَجَدَ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمْ يُخِلَّ بِهِ.
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا» ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ قَالَ: «كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ، أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا؛ شُكْرًا لِلَّهِ» . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَسَجَدَ الصِّدِّيقُ حِينَ فَتَحَ الْيَمَامَةَ وَعَلِيٌّ حِينَ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَثَبَتَ ظُهُورُهُ وَانْتِشَارُهُ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ، وَتَرْكُهُ تَارَةً لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ، فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يُفْعَلُ تَارَةً، وَيُتْرَكُ أُخْرَى. وَيُشْتَرَطُ لِسُجُودِ الشُّكْرِ مَا يُشْتَرَطُ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ لَا يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ]
(٨٧٧) فَصْلٌ: وَلَا يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. لِأَنَّ سَبَبَ السَّجْدَةِ لَيْسَ مِنْهَا. فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ. فَأَمَّا سَجْدَةُ " ص " إذَا سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَقُلْنَا: لَيْسَتْ مِنْ الْعَزَائِمِ،

الصفحة 449