كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 1)

نار فأحرقته (¬1).
وقيل: المراد أنّه خصّ بالتّصرّف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء.
والأوّل أصوب , وهو أنّ من مضى لَم تحلّ لهم الغنائم أصلاً.
قوله: (وأُعطيت الشّفاعة) قال ابن دقيق العيد: الأقرب أنّ اللام فيها للعهد، والمراد الشّفاعة العظمى في إراحة النّاس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها. وكذا جزم النّوويّ وغيره.
وقيل: الشّفاعة التي اختصّ بها أنّه لا يردّ فيما يسأل.
وقيل: الشّفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرّة من إيمان؛ لأنّ شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك، قاله عياض.
والذي يظهر لي أنّ هذه مرادة مع الأولى؛ لأنّه يتبعها بها.
¬__________
(¬1) أخرج البخاري (3124) ومسلم (1747) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غزا نبي من الأنبياء. وفيه: فجَمَعَ الغنائم، فجاءت - يعني النار لتأكلها - فلم تطعمها , فقال: إن فيكم غلولاً، فليبايعني من كل قبيلة رجلٌ، فلزقتْ يدُ رجلٍ بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعوها، فجاءت النار، فأكلتها , ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا، وعجزنا فأحلها لنا ".
قال الحافظ في " الفتح " (6/ 268): في رواية النسائي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: إنَّ الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمناها وتخفيفاً خفَّفه عنا ". قوله (رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها) فيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنيمة , وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر. وفيها نزل قوله تعالى (فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً) فأحلَّ الله لهم الغنيمة , وقد ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عباس , أنَّ أول غنيمة خمست غنيمة السرية التي خرج فيها عبد الله بن جحش , وذلك قبل بدر بشهرين , ويمكن الجمع بما ذكر ابن سعد , أنه - صلى الله عليه وسلم - أخَّر غنيمة تلك السرية حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر. انتهى

الصفحة 359