كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 1)

استسلامه لقضاء الله وقدره وترديده باستمرار للعبارة التالية (فلتكن إرادتك يا رب). فقد مضى لإعادة تنظيم القوات، غير أنه كان من المحال عليه معالجة المأزق الصعب الذي وقع فيه، فقد هيمن الرعب والفزع على قواته، وفقد معظم مواده التموينية فبات جيشه مهددا بالجوع، بالإضافة إلى أن قوة الجزائريين كانت تتعاظم باستمرار وهم يتابعون الموقف من وراء الأسوار ويستعدون للانقضاض على قواته من جديد.
وانطلق يستشير هيئة أركان حربه وكبار معاونيه ممن أبقت عليهم المعركة. وكانت الحلول المتاحة أمامه محدودة، فإما الإنسحاب ببقايا قواته وأسطوله وإما إعادة تنظيم ما بقي لديه من القوى والوسائط واختيار بقعة مناسبة للدفاع عنها في انتظار تحسن المناخ ووصول إمدادات جديدة من أوروبا. وانقسمت وجهات نظر القادة في تأييد أحد الحلين الوحيدين.
وكان رأي قائد الأسطول (أندريا دوريا) هو العامل الحاسم في ترجيح أحد الاحتمالين - أو الحلين -. وقد حدد (أندريا) موقفه من الأزمة بوضوح، فأرسل من سفينته فدائيا أسبانيا، حمله رسالته، وقد استطاع هذا الفدائي مصارعة الأمواج والتسلل من بين المجاهدين حتى وصل إلى خيمة الإمبراطور، وأبلغه رسالة قائده التي جاء فيها: (وأما من جهة البحر فإنه من المحال بقاء الأسطول في مركز الخطر داخل الخليج، لأن بقية السفن ستتحطم حتما، إن هو لم يعمل على سحبها فورا إلى جهة (تامانتغوس) المواجهة لمدينة الجزائر على الطرف المقابل من الخليج، وأما من جهة البر، فإنه يرى بأنه من المحال أيضا البقاء أو الانتظار وأنه من الواجب الانسحاب فورا ببقية الرجال،

الصفحة 158