كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 1)

المالكة من السلطة إلا اسمها. وكان الملوك لا يفكرون إلا في إحباط المؤامرات والفتن التي يثيرها ضدهم أفراد من عائلاتهم من أجل الاستيلاء على العرش، أو في إخماد الثورات التي تقوم بها قبائل سئمت حكم العجز والطغيان. ولقد ضربت الفوضى أطنابها في كل مكان. فكان الولايات القسنطينية، وسكان مدينة الجزائر، وأهل الشرق الوهراني، لم يبقوا معترفين بسلطة أحد عليهم. أما بالمغرب الأقصى، فإن أمراء عائلة بني مرين، قد اقتطع كل واحد منهم لنفسه إمارة صغيرة لم يكن في وسعه الدفاع عنا ضد مطامع جيرانه. فهذه الفوضى قد سهلت بصفة غريبة مهمة البرتغاليين والإسبانيين سواء في احتلال البلاد، أو في توسع منطقة نفوذهم فيها) (¬1).
ويذكر مؤرخ آخر: (أن جاسوسا من الجواسيس الذين أرسل بهم - فرديناند - إلى بلاد المغرب العربي، قد أرسل إلى ملكه تقريرا مفصلا جاء فيه: إن كامل بلاد شمال افريقيا تجتاز فترة من الانهيار النفسي، ويظهر معها أن الله قد أراد أن يجعل هذه البلاد ملكا لصاحبي الجلالة المسيحية).
ثم يقول: (في نهاية القرن الخامس عشر كانت الفوضى السياسية والاضطرابات، وتداخل الممالك بعضها ببعض، قد بلغت في الشمال الافريقي مبلغا لا يمكن تلخيصه في صفحات. ويصاب الإنسان بنوع من الذهول وهو يتلو قائمة الممالك والإمارات التي اقتسمت رقعة هذا الشمال الأفريقي. وكانت - وهران - تبدو وهي تحت السلطة الإسمية لبني زيان في صورة جمهورية تجارية حقيقية
¬__________
(¬1) حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا - أحمد توفيق المدني - ص 67 - 71.

الصفحة 56