كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 1)

الأندلس وهي تطلب الإنقاذ، نظرا لما كان يتعرض له أهلها المسلمون من العسف والجور - فتوجه (خير الدين) على رأس قوة البحرية، وما أمكن له جمعه من السفن ملبيا بالاتفاق مع أخيه أصوات الاستغاثة اليائسة حيث المستضعفون من الرجال والنساء والأطفال الذين نكث الإسبان بوعودهم تجاههم، وتنكروا للمواثيق المعقودة معهم، فأصبحوا يرغمونهم على اعتناق المسيحية تحت تهديد الإبادة. وكانت الاستغاثة تتردد بالآية الكريمة: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (¬1).
وأنقذ خير الدين ما أمكن إنقاذه، نظرا لما كان يتعرض له من مضايقات الأسطول الإسباني، وانقض على جزائر الباليئار التي أصبحت تحت سيطرة الإسبانيين، واحتل (مينورقة) وأخذ أسرى من أهلها، ثم رجع إلى قاعدته في مدينة (جيجل). وفي أثناء فترة غيابه، كان أخوه (عروج) قد وطد مكانته في جهة جيجل والجبال المحيطة بها، حيث التفت حوله قبائل (كتامة) التي رأت فيه مثال الإنسان المسلم المؤمن، وأحبت صدقه وأخلاقه، فبايعته أميرا عليها، وعاهدته على دعمه والسير من ورائه إلى ميادين القتال والجهاد لإنقاذ المدن الإسلامية. وتمكن (عروج) بذلك من تكوين جيش منظم، أحسن تشكيله في مجموعة من الكتائب، ودربه على استخدام الأسلحة الحديثة والرمي بها. كما وعده الشيخ (أحمد بن القاضي -شيخ بلاد زواوة الغربية، أوكوكو) بالدعم والتأييد، وانطلق رجال الدين والعلماء وهم يحضون على الجهاد في سبيل الله، ولم تلبث الدعوة للجهاد حتى أصبحت عامة وشاملة.
¬__________
(¬1) سورة النساء - الجزء الخامس - الآية 75.

الصفحة 90