كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

كَذَا قِيلَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً يَعْنِي أَنَّ عَمَلَ الْحَمْدِ فِي حَمْدًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَعَمَلُهُ فِي لِلَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ فَيَكُونُ الْخَبَرُ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْحَمْدِ مِنْ جِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فِي حَمْدًا، وَالْفَصْلُ بِالْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ بِاعْتِبَارٍ يَمْنَعُ عَمَلَ الْمَصْدَرِ (يُوَافِي) أَيْ يُقَابِلُ (مَا تَزَايَدَ) أَيْ زَادَ (مِنْ النِّعَمِ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ بَيَانٌ لِمَا (وَالشُّكْرُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ: كَذَا قِيلَ) قَائِلُهُ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ وَهُوَ لِلَّهِ وَقَوْلُهُ: أَجْنَبِيٌّ أَيْ مِنْ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ) أَيْ مَصْدَرِيَّةِ الْحَمْدِ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ) أَيْ الْحَمْدِ مُبْتَدَأً أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مَعْمُولٌ لِلْمُبْتَدَإِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَمْدَ لَهُ جِهَتَانِ جِهَةُ كَوْنِهِ مَصْدَرًا وَجِهَةُ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَهُوَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ يُغَايِرُ نَفْسَهُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، وَقَدْ عَمِلَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً فِي لِلَّهِ فَلَوْ عَمِلَ فِي حَمْدًا لَكَانَ بِالْجِهَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ جِهَةُ الْمَصْدَرِيَّةِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ التَّغَايُرَ الِاعْتِبَارِيَّ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ الذَّاتِيِّ مُنِعَ عَمَلُهُ فِي حَمْدًا لِوُجُودِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ التَّغَايُرَ الِاعْتِبَارِيَّ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّغَايُرِ الذَّاتِيِّ صَحَّ عَمَلُهُ فِيهِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ فَصْلٌ بِأَجْنَبِيٍّ حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُ مَلْحَظُ النَّاصِرِ وَالثَّانِي مَلْحَظُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْحَقُّ (قَوْلُهُ: يُوَافِي مَا تَزَايَدَ إلَخْ) أَيْ يُقَابِلُ مَا تَزَايَدَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَيَأْتِي عَلَيْهَا وَلَمَّا كَانَتْ النِّعَمُ لَا تُحْصَى وَلَا تَتَنَاهَى لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَمْدَ لَا يُحْصَى وَلَا يُعَدُّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَنَاهَى لَا يُقَابِلُهُ إلَّا مِثْلُهُ
إنْ قُلْتَ حَمْدُ الْمُصَنِّفِ جُزْئِيٌّ فَكَيْفَ لَا يَتَنَاهَى؟ قُلْتُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاهَى بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ وَهُوَ الْمَحْمُودُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الْكَمَالِيَّةِ وَهِيَ لَا تَتَنَاهَى أَوْ يُقَالُ جَعَلَهُ غَيْرَ مُتَنَاهٍ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لَكِنْ تَخْيِيلًا لَا تَحْقِيقًا (قَوْلُهُ: أَيْ زَادَ) هُوَ بِمَعْنَى كَثُرَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنَّ الْحَمْدَ يَفِي بِالنِّعَمِ لَا الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ إلَى صِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَفَاءِ بِسَبَبِ مَا فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فَكَأَنَّ الْحَامِدَ يُرِيدُ أَنْ يَغْلِبَ النِّعَمَ وَيَزِيدَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّ النِّعَمَ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَلَمَّا كَانَتْ النِّعْمَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْإِنْعَامِ الَّذِي هُوَ إيصَالُ الْمُنْعَمِ بِهِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ هُنَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الشَّيْءِ الْمُنْعَمِ بِهِ نَبَّهَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى إنْعَامٍ أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ عَلَى جَوَازِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ عَلَى الْإِنْعَامِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَأَمَّا عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ فَبِوَاسِطَةِ أَنَّهُ أَثَرُ الْإِنْعَامِ وَمَا كَانَ بِلَا وَاسِطَةٍ أَقْوَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُنْعَمَ بِهِ لَا يَكُونُ نِعْمَةً حَقِيقَةً إلَّا إذَا كَانَتْ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ كَذَا قَالَتْ الْأَشَاعِرَةُ فَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ مَا أَلَذَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَهُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُ حَيْثُ يُلِذُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ إلَى الْمَوْتِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّهَا نِعْمَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَلَاذَّ الْوَاصِلَةَ إلَيْهِمْ نِقَمٌ فِي صُورَةِ نِعَمٍ فَسَمَّاهَا الْأَشَاعِرَةُ نِقَمًا نَظَرًا لِحَقِيقَتِهَا وَالْمُعْتَزِلَةُ سَمَّتْهَا نِعَمًا

الصفحة 11