كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(وَلَبَنٍ) وَسَائِرُ مَا فِيهِ مِنْ دُسُومَةٍ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ بِمَا يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ وَغَاسُولٍ وَيُكْرَهُ بِمَا فِيهِ طَعَامٌ كَدَقِيقِ التُّرْمُسِ

(وَ) نُدِبَ (تَجْدِيدُ وُضُوءٍ) لِصَلَاةٍ وَلَوْ نَافِلَةً أَوْ طَوَافٍ لَا لِغَيْرِهِمَا كَمَسِّ مُصْحَفٍ (إنْ صَلَّى بِهِ) وَلَوْ نَفْلًا أَوْ فَعَلَ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَوْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ لَمْ يَجُزْ التَّجْدِيدُ أَيْ يُكْرَهُ أَوْ يُمْنَعُ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ

(وَلَوْ شَكَّ) أَيْ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ (فِي) أَثْنَاءِ (صَلَاتِهِ) بَعْدَ أَنْ دَخَلَهَا جَازِمًا بِالطُّهْرِ هَلْ نُقِضَ قَبْلَ دُخُولِهَا أَوْ هَلْ نُقِضَ بَعْدُ أَوْ لَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمَادِي فِيهِمَا (ثُمَّ) إذَا (بَانَ) أَيْ ظَهَرَ لَهُ (الطُّهْرُ) فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا (لَمْ يُعِدْ) صَلَاتَهُ لِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ أَعَادَهَا لِنَقْضِ وُضُوئِهِ وَلَا يُعِيدُ مَأْمُومُهُ كَالنَّاسِي وَلَوْ شَكَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهَا لِانْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الطُّهْرُ وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ إنْ طَرَأَ فِيهَا لِأَنَّ دُخُولَهَا جَازِمًا بِالطُّهْرِ قَوَّى جَانِبَ الصَّلَاةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ اسْمَ الْوُضُوءِ فِي حَدِيثِ «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ بَرَكَةٌ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» (قَوْلُهُ: وَلَبَنٌ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَقَيَّدَهُ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَلِيبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ دَسَمٌ.
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ مَا فِيهِ دُسُومَةٌ) أَيْ وَدَكٌ كَالطَّبِيخِ بِأَنْوَاعِهِ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الَّذِي لَا دُسُومَةَ فِيهِ كَالتَّمْرِ وَالسَّوِيقِ وَالشَّيْءِ الْجَافِّ الَّذِي يُذْهِبُهُ أَدْنَى الْمَسْحِ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ غَسْلُ فَمٍ وَلَا يَدٍ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ) أَيْ الْغَسْلُ بِمَا فِيهِ طَعَامٌ وَقَوْلُهُ كَدَقِيقِ التُّرْمُسِ أَيْ وَأَوْلَى دَقِيقُ الْعَدَسِ أَوْ الْفُولِ وَإِنَّمَا كَانَ دَقِيقُ التُّرْمُسِ طَعَامًا؛ لِأَنَّ التُّرْمُسَ مِنْ الْقَطَانِيِّ وَهِيَ طَعَامٌ وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ الْغُسْلَ بِدَقِيقِ التُّرْمُسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ عِنْدَهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَجْدِيدُ وُضُوءٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ بِالْوُضُوءِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَصَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ نَافِلَةً أَوْ أَرَادَ الطَّوَافَ لَا إنْ أَرَادَ مَسَّ الْمُصْحَفِ أَوْ الْقِرَاءَةَ ظَاهِرًا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَانْظُرْ مَا الَّذِي يَنْوِيهِ بِهَذَا الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْمُجَدَّدِ إذَا تَبَيَّنَ حَدَثُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَضِيلَةَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا كَانَ الْمُجَدَّدُ بَاطِلًا أَيْ إذَا تَبَيَّنَ حَدَثُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ كَافِيَةً فِي التَّجْدِيدِ كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ السُّنَّةَ فَرْضٌ أَوْ الصَّلَاةَ كُلَّهَا فَرَائِضُ (قَوْلُهُ: إنْ صَلَّى بِهِ) أَيْ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِهِ فِيمَا مَضَى (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَفْعَلْ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا أَوْ زِيَارَةِ وَلِيٍّ أَوْ دُخُولٍ عَلَى أَمِيرٍ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ التَّجْدِيدُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ تَوَضَّأَ أَوَّلًا وَاحِدَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُجَدِّدَ بِحَيْثُ يُكْمِلُ الثَّلَاثَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُمْنَعُ خِلَافٌ وَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّجْدِيدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُوقِعُ فِي مَكْرُوهٍ وَهُوَ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ تَكْرَار مَسْحِ الرَّأْسِ بِمَاءِ جَدِيدٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا هُنَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ لِأَجْلِ أَنْ يُرَتِّبَ بَيْنَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْكَرَاهَةُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاةٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالشَّكِّ هُنَا كَمَا فِي خش مَا قَابَلَ الْجَزْمَ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا فَمَنْ ظَنَّ النَّقْضَ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي وُجُوبِ التَّمَادِي.
وَأَمَّا الْوَهْمُ فَلَا أَثَرَ لَهُ بِالْأَوْلَى مِمَّا إذَا حَصَلَ لَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: جَازِمًا بِالطُّهْرِ) أَيْ بِالْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ هَلْ نُقِضَ أَيْ الطُّهْرُ قَبْلَ دُخُولِهَا أَوْ لَمْ يُنْقَضْ بَيَانٌ لِلشَّكِّ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَهَا (قَوْلُهُ: أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُنْتَقَضْ طُهْرُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمَادِي) أَيْ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا الْوُجُوبُ لَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْتَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ) أَيْ جَزْمًا أَوْ ظَنًّا (قَوْلُهُ: لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ) أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ الْقَائِلَيْنِ بِبُطْلَانِهَا بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ وَالْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ تَمَادٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ) أَيْ وَأَوْلَى إذَا تَبَيَّنَ حَدَثُهُ أَعَادَهَا (قَوْلُهُ: وَكَالنَّاسِي) أَيْ كَالْإِمَامِ إذَا صَلَّى مُحْدِثًا نَاسِيًا لِلْحَدَثِ، فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَأْمُومِهِ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ شَكَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَيْ كَمَا هُوَ الْفَرْعُ الْمُتَقَدِّمُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهَا) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ شَكَّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَمَنْ شَكَّ خَارِجَهَا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ إلَخْ) الْأُولَى وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّمَادِي وَلَمْ يَقْطَعْ إذَا طَرَأَ فِيهَا إلَخْ بَقِيَ مَا إذَا شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَدَثُ فَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي

الصفحة 124