كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

فَكَيْفَ يُحْصَى الثَّنَاءُ عَلَيْهَا تَفْصِيلًا (كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ كَثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى تَفْصِيلًا وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» (وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ) مِنْ لَطَفَ كَنَصَرَ مَعْنَاهُ الرِّفْقُ لَا مِنْ لَطُفَ كَكَرُمَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الدِّقَّةُ (وَالْإِعَانَةَ) أَيْ الْإِقْدَارَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَالْمُلِمَّاتِ (فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ اللُّطْفِ وَالْإِعَانَةِ (وَ) فِي (حَالِ حُلُولِ) يَعْنِي مُكْثِ (الْإِنْسَانِ) يَعْنِي نَفْسَهُ وَيُحْتَمَلُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ أَوْلَى فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ عَلَى هَذَا (فِي رَمْسِهِ) أَيْ قَبْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّفْيِ تُفِيدُ عُمُومَ السَّلْبِ أَيْ تَسَلُّطَ النَّفْيِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَدُّ أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَفْرَادِ الثَّنَاءِ فَضْلًا عَنْ ثَنَاءٍ وَاحِدٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ سَلْبُ الْعُمُومِ وَهُوَ تَسَلُّطُ النَّفْيِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ أَيْ لَا أَعُدُّ كُلَّ ثَنَاءٍ عَلَيْك تَفْصِيلًا؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْك أَفْرَادُهُ لَا تَتَنَاهَى فَاللَّفْظُ لَا يُوَافِقُ الْمُرَادَ مِنْهُ بَلْ يُنَاقِضُهُ؛ لِأَنَّ سَلْبَ الْعُمُومِ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتًا جُزْئِيًّا وَعُمُومُ السَّلْبِ يَتَضَمَّنُ سَلْبًا كُلِّيًّا.
(قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُحْصَى إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ أَنْ لَا يُمْكِنَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلَّهِ كَضَمِيرِ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ صِفَةٌ لِثَنَاءٍ أَيْ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ مِثْلَ ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي عَدَمِ التَّنَاهِي، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الثَّنَاءِ، فَإِنْ رَجَعَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَوْلُهُ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ خَبَرُهُ وَالْكَافُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَمَا إمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ الَّذِي أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ اللَّهُ مُثْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلثَّنَاءِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَمَا أَيْضًا أَيْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُ الثَّنَاءِ الَّذِي أَثْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مِثْلُ ثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَنَاهٍ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فِي قُدْرَتِهِ تَفْصِيلًا) الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ كَثَنَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي عَدَمِ التَّنَاهِي، وَإِنْ كَانَ فِي قُدْرَتِهِ عَدُّ ذَلِكَ تَفْصِيلًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ إلَخْ) يَجْرِي فِي الْحَدِيثِ مَا جَرَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِعْرَابِ مَا عَدَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك) أَيْ كَثَنَائِك عَلَى نَفْسِك فِي عَدَمِ التَّنَاهِي، وَإِنْ كَانَ فِي قُدْرَتِك أَنْ تُحْصِيَهُ (قَوْلُهُ: وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ إلَخْ) أَسْنَدَ الْمُصَنِّفُ الْفِعْلَ مِنْ لَا أُحْصِي إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ وَمِنْ وَنَسْأَلُهُ إلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ، وَالشَّأْنُ أَنَّهُ إنَّمَا يُثْبِتُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَالثَّانِي دُعَاءٌ وَالْمَطْلُوبُ فِيهِ مُشَارَكَةُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ كَذَا قِيلَ، وَالْحَقُّ أَنَّ ضَمِيرَ وَنَسْأَلُهُ لِلْمُصَنِّفِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ إنَّمَا هِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الْمَطْلُوبِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ لَهُ عَامًّا لَا فِي الطَّلَبِ بِحَيْثُ يَكُونُ الدَّاعِي جَمَاعَةً وَفِي سُؤَالِهِ اللُّطْفَ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ أَوْجَبُوهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَقْلِيًّا لَمْ يَسْأَلْهُ كَمَا لَا يُسْأَلُ الْمَوْتُ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَادِيٌّ ثُمَّ إنَّ الْوَاوَ فِي وَنَسْأَلُهُ لِلِاسْتِئْنَافِ إنْ جَعَلْتَ جُمْلَةَ الْحَمْدِ خَبَرِيَّةً وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا حِينَئِذٍ عَاطِفَةً لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلْتَ جُمْلَةَ الْحَمْدِ إنْشَائِيَّةً كَانَتْ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِجُمْلَةٍ إنْشَائِيَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا (قَوْلُهُ: الدِّقَّةُ) أَيْ قِلَّةُ الْأَجْزَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَالْإِعَانَةَ) هِيَ وَالْعَوْنُ وَالْمَعُونَةُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِقْدَارُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ إلَخْ وَعَطْفُهَا عَلَى اللُّطْفِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ اللُّطْفِ (قَوْلُهُ: الْإِقْدَارَ) أَيْ خَلْقَ الْقُدْرَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُلِمَّاتِ) أَيْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ النَّازِلَةِ بِالْعَبْدِ الَّتِي لَا تُلَائِمُهُ، مِنْ أَلَمَّ إذَا نَزَلَ جَمْعُ مُلِمَّةٍ (قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) جَمْعُ حَالٍ قَالَ النَّاصِرُ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ الْأَوْقَاتُ وَقَالَ ح: الْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ صِفَاتُ الشَّخْصِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْمُتَّصِلَاتِ أَوْ مِنْ الْإِضَافِيَّاتِ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّصِلَاتِ الصِّفَاتُ الَّتِي لَهَا قِيَامٌ بِالشَّخْصِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهَا لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ كَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِضَافِيَّاتِ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا فِي الشَّخْصِ بِذَاتِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ كَالِاسْتِقْرَارِ فِي الزَّمَانِ الْفُلَانِيِّ أَوْ الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي نَفْسَهُ) هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ نَسْأَلُهُ لِلْمُصَنِّفِ وَحْدَهُ وَقَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ وَغَيْرُهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ ضَمِيرِ نَسْأَلُهُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَوْلُهُ: الْإِنْسَانُ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ وَالْأَصْلُ وَحَالَ حُلُولِي أَوْ حُلُولِنَا (قَوْلُهُ: فِي رَمْسِهِ)

الصفحة 13