كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

فِيهِ مِنْ الضَّبْطِ مَا فِي الْعَرَبِ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (الْمَبْعُوثِ) أَيْ الْمُرْسَلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (لِسَائِرِ) أَيْ لِجَمِيعِ لِأَنَّ سَائِرَ قَدْ يَأْتِي لَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهُ بَاقِيَ (الْأُمَمِ) جَمْعُ أُمَّةٍ أَيْ طَائِفَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَلَى كَثْرَةِ أَصْنَافِهِمْ وَغَيْرِهِمْ كَالْمَلَائِكَةِ (وَعَلَى آلِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَقَارِبُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَتْبَاعِ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أُمَّتِهِ (وَأَصْحَابِهِ) جَمْعٌ لِصَاحِبِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ فَاعِلًا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْأَخْفَشِ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ وَهُوَ مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَيَاتِهِ مُؤْمِنًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَالصَّاحِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَبْلَ إسْمَاعِيلَ وَيُقَالُ لَهُمْ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ وَهُمْ قَبَائِلُ مِنْهُمْ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَحْطَانُ وَجُرْهُمُ وَغَيْرُهُمْ، وَأَمَّا الْعَرَبُ الْمُسْتَعْرِبَةُ فَهُمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ أَخَذَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ جُرْهُمَ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ إسْمَاعِيلُ فَمُرَادُهُ عَرَبِيَّةُ قُرَيْشٍ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.
وَأَمَّا عَرَبِيَّةُ يَعْرُبَ وَقَحْطَانَ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَجُرْهُمَ فَكَانَتْ قَبْلَ إسْمَاعِيلَ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: فِيهِ مِنْ الضَّبْطِ مَا فِي الْعَرَبِ) أَيْ لَكِنَّ الْأَوْلَى إذَا اقْتَرَنَا فَتْحُهُمَا أَوْ ضَمُّهُمَا لِلْمُشَاكَلَةِ، وَأَمَّا فَتْحُ الْأَوَّلِ وَضَمُّ الثَّانِي أَوْ الْعَكْسُ فَهُوَ، وَإِنْ جَازَ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَائِرًا قَدْ يَأْتِي لَهُ) أَيْ لِجَمِيعٍ أَيْ قَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى جَمِيعٍ أَخْذًا لَهُ مِنْ سُورِ الْبَلَدِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِهَا وَظَاهِرُ إتْيَانِهِ بِقَدْ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى جَمِيعٍ مَجَازٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ السَّائِرُ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ اهـ، وَقَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ أَيْ مَجَازًا كَمَا هُوَ قَاعِدَتُهُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهُ بَاقِيَ) أَيْ لِأَخْذِهِ مِنْ السُّؤْرِ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى الْبَقِيَّةِ، وَيَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ أُمَّتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَقِيَّةُ الْأُمَمِ أَيْ الطَّوَائِفِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ مَضَى قَبْلَهَا وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ الْتَفَتَ لِمَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مُبَاشَرَةً بِاعْتِبَارِ عَالَمِ الْأَجْسَامِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْأُمَمِ فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الْبَعْثُ بِالْجِسْمِ لِلْجِسْمِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأُمَمِ طَوَائِفَ أُمَّتِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ جَمِيعُ الْأُمَمِ حَتَّى السَّابِقِينَ وَيُرَادُ بِالْبَعْثِ مَا يَشْمَلُ الْبَعْثَ بِالرُّوحِ؛ لِأَنَّ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ أُرْسِلَتْ لِأَرْوَاحِ مَنْ سَبَقَ وَهَذَا مَعْنَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ نُوَّابُهُ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ) أَيْ بِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَهُوَ قَوْلٌ وَعَلَيْهِ فَإِرْسَالُهُ إلَيْهِمْ رِسَالَةَ تَشْرِيفٍ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُكَلَّفُونَ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ وَارْتَضَاهُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَعَلَيْهِ فَتَكْلِيفُهُمْ إنَّمَا هُوَ بِبَعْضِ الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَأَتَّى مِنْهُمْ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لَا الزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ، وَهَذَا أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ) عَطْفٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِيهِ إيمَاءٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا لَهُمْ، وَأَمَّا اسْتِقْلَالًا فَقِيلَ: إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ حَرَامٌ وَقِيلَ تُكْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَأَصْلُ آلِ أَوَلٌ كَجَمَلٍ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا وَقِيلَ أَصْلُهُ أَهَلٌ قُلِبَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً ثُمَّ الْهَمْزَةُ أَلِفًا وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْآلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ أَتْبَاعَهُ هُمْ أُمَّتُهُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى بِهَذَا عَنْ قَوْلِهِ وَأُمَّتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَاقِعٌ فِي مَرْكَزِهِ وَالْمُكَرَّرُ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ هُوَ الْوَاقِعُ بَعْدَ تَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ: عِنْدَ سِيبَوَيْهِ عَلَى التَّحْرِيرِ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ أَصْحَابَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَجَمْعٍ لَهُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّحْرِيرَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشَ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ جَمْعٌ لِصَاحِبٍ وَأَنَّ فَاعِلًا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي صَحْبٍ فَإِنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَجَمْعٌ لَهُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ) أَيْ أَنَّ صَاحِبًا الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ أَصْحَابٍ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الصَّحَابِيُّ لَا مُطْلَقُ صَاحِبٍ (قَوْلُهُ: مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ رَآهُ بِبَصَرِهِ أَوْ لَا كَالْعُمْيَانِ (قَوْلُهُ: فِي حَيَاتِهِ) خَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ مَنَامًا أَوْ يَقَظَةً كَالْجَلَالِ السُّيُوطِيّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيِّ فَلَا يَكُونُ صَحَابِيًّا (قَوْلُهُ: مُؤْمِنًا) أَيْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ) خَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ

الصفحة 16