كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

أَخَذَ الْفَيْءُ فِي الزِّيَادَةِ لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ حَالَ الْأَخْذِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ إنْ كَانَ (وَهُوَ) أَيْ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ (أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) الِاخْتِيَارِيِّ وَيَنْتَهِي (لِلِاصْفِرَارِ) وَعَلَى هَذَا فَالْعَصْرُ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الظُّهْرِ (وَاشْتَرَكَا) أَيْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ (بِقَدْرِ إحْدَاهُمَا) أَيْ أَنَّ إحْدَاهُمَا تُشَارِكُ الْأُخْرَى بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ (وَهَلْ) الِاشْتِرَاكُ (فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى) قَبْلَ تَمَامِهَا بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْعَصْرَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ سَنَدٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ بِحَيْثُ إذَا سَلَّمَ مِنْهَا فَرَغَتْ الْقَامَةُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَخَّرَ الظُّهْرَ عَنْ الْقَامَةِ بِحَيْثُ أَوْقَعَهَا فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ أَثِمَ (أَوْ) فِي (أَوَّلِ) الْقَامَةِ (الثَّانِيَةِ) فَالظُّهْرُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْعَصْرِ فَمَنْ أَخَّرَهَا لِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ فَلَا إثْمَ وَمَنْ قَدَّمَ الْعَصْرَ فِي آخِرِ الْأُولَى بَطَلَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ أَوَّلُ الثَّانِيَةِ وَشُهِرَ أَيْضًا (خِلَافٌ) فِي التَّشْهِيرِ (وَ) الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ (لِلْمَغْرِبِ) (غُرُوبٌ) أَيْ غِيَابُ جَمِيعِ قُرْصِ (الشَّمْسِ) وَهُوَ مُضَيَّقٌ (يُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا) ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ (بَعْدَ) تَحْصِيلِ (شُرُوطِهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُمْ وَلَا تَكُونُ الشَّمْسُ كَذَلِكَ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْجَوْزَاءِ وَإِذَا كَانَتْ الشَّمْسُ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ وَكَانَ الْمَيْلُ الشَّمَالِيُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَانَتْ مُسَامَتُهُ الرَّأْسُ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَنْعَدِمُ الظِّلُّ عِنْدَهُمْ فِي يَوْمَيْنِ مُتَوَازِيَيْنِ يَوْمٌ قَبْلَ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ الشَّمَالِيِّ الْوَاقِعِ فِي آخِرِ الْجَوْزَاءِ وَيَوْمٌ قَبْلَ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ الْجَنُوبِيِّ الْوَاقِعِ فِي آخِرِ بُرْجِ الْقَوْسِ فَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ كَمَا فِي مِصْرَ فَإِنَّ عَرْضَهَا ثَلَاثُونَ دَرَجَةً لَمْ يَنْعَدِمْ الظِّلُّ أَصْلًا لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُسَامِتْهُمْ بَلْ دَائِمًا فِي جَنُوبِهِمْ (قَوْلُهُ: أَخْذُ الْفَيْءِ) أَيْ الظِّلِّ الْبَاقِي مِنْ ظِلِّ الشَّاخِصِ (قَوْلُهُ: أَيْ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ آخِرُ الْقَامَةِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: لِلِاصْفِرَارِ) أَيْ لِاصْفِرَارِ الشَّمْسِ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ لَا بِحَسَبِ عَيْنِهَا إذْ لَا تَزَالُ عَيْنُهَا نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ (قَوْلُهُ: وَاشْتَرَكَا) ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْفَرْضَيْنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ آخِرُ الْقَامَةِ الْأُولَى وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ أَوَّلُ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَاللَّهِ مَا بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ وَلَقَدْ زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ سَنَدٍ) فِيهِ أَنَّ سَنَدًا إنَّمَا شَهَرَ الثَّانِيَ لَا الْأَوَّلَ نَعَمْ الْأَوَّلُ شَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ ثُمَّ إنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ آخِرَ الْقَامَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْعَصْرَ اخْتِيَارِيٌّ لَهَا كَمَا أَنَّهُ اخْتِيَارِيٌّ لِلظُّهْرِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ كَمَا فِي شب وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ مُقَدَّمُ الْعَصْرِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الضَّرُورِيَّ الْمُقَدَّمَ خَاصٌّ بِالْجَمْعِ لِلْأَعْذَارِ (قَوْلُهُ: خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ) أَيْ فَالْأَوَّلُ اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَشَهَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ رَاشِدٍ وَفِي جَزْمِ الْمُصَنِّفُ بِهِ قَبْلَ إشْعَارٍ بِأَنَّهُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ وَالثَّانِي شَهَرَهُ الْقَاضِي سَنَدٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ اهـ بْن.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ فَائِدَةَ هَذَا الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْقَامَةِ الْأُولَى لِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ وَتَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا إذَا قَدَّمَهَا فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ «فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ» فَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَصَلَّى هَلْ مَعْنَاهُ شَرَعَ فِيهِمَا أَوْ مَعْنَاهُ فَرَغَ مِنْهُمَا فَإِنْ فُسِّرَ بِشَرَعَ كَانَتْ الظُّهْرُ دَاخِلَةً عَلَى الْعَصْرِ وَمُشَارَكَةً لَهَا فِي أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ فُسِّرَ بِفَرَغَ كَانَتْ الْعَصْرُ دَاخِلَةً عَلَى الظُّهْرِ وَمُشَارِكَةً لَهَا فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَجْرِي نَحْوُهُ فِي الْعِشَاءَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ لَا عَلَى مَا لِلْمُصَنِّفِ فَإِذَا قِيلَ بِالِاشْتِرَاكِ وَقِيلَ بِدُخُولِ الْمَغْرِبِ عَلَى الْعِشَاءِ فَالِاشْتِرَاكُ بِمِقْدَارِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَإِنْ قِيلَ بِدُخُولِ الْعِشَاءِ عَلَى الْمَغْرِبِ فَبِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ (قَوْلُهُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ) أَيْ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَيْ مِنْ مَغِيبِ جَمِيعِ قُرْصِهَا إلَى انْتِهَاءِ وَقْتِ تَحْصِيلِهَا وَشُرُوطِهَا فَقَوْلُهُ بِقَدْرِ حَالِ إشَارَةً إلَى انْتِهَاءِ الْوَقْتِ وَغُرُوبِ جَمِيعِ الْقُرْصِ هُوَ الْغُرُوبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَوَازُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَجَوَازُ الْفِطْرِ

الصفحة 177