كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

وَلَا يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ بَلْ فِي الشِّتَاءِ ثُمَّ يَظْهَرُ بَعْدَهُ ظَلَامٌ ثُمَّ يَظْهَرُ الْفَجْرُ الْحَقِيقِيُّ وَيَنْتَهِي الْمُخْتَارُ (لِلْإِسْفَارِ) أَيْ الضَّوْءِ (الْأَعْلَى) أَيْ الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ وَهُوَ الَّذِي تَتَمَيَّزُ فِيهِ الْوُجُوهُ (وَهِيَ) الصَّلَاةُ (الْوُسْطَى) أَيْ الْفُضْلَى عِنْدَ الْإِمَامِ وَعُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقِيلَ الْعَصْرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ الْأَحَادِيثِ وَمَا مِنْ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ إلَّا قِيلَ فِيهَا هِيَ الْوُسْطَى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

(وَإِنْ) (مَاتَ) الْمُكَلَّفُ (وَسَطَ) يَعْنِي أَثْنَاءَ (الْوَقْتِ) الِاخْتِيَارِيِّ (بِلَا أَدَاءٍ) لَهَا فِيهِ (لَمْ يَعْصِ) لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ (إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ) وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا وَكَذَا إذَا تَخَلَّفَ ظَنُّهُ فَلَمْ يَمُتْ لِأَنَّ الْمُوَسَّعَ صَارَ فِي حَقِّهِ مُضَيَّقًا وَهَذَا إذَا أَمْكَنَهُ الطَّهَارَةُ وَإِلَّا سَقَطَتْ كَمَا تَقَدَّمَ

وَلَمَّا كَانَ الِاخْتِيَارِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى فَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ) (لِفَذٍّ) وَمَنْ فِي حُكْمِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ) أَيْ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ (قَوْلُهُ: وَيَنْتَهِي الْمُخْتَارُ) أَيْ مُخْتَارُ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ لِلْإِسْفَارِ أَيْ لِدُخُولِ الْإِسْفَارِ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي تَتَمَيَّزُ فِيهِ الْوُجُوهُ) أَيْ بِالْبَصَرِ الْمُتَوَسِّطِ فِي مَحَلٍّ لَا سَقْفَ فِيهِ وَلَا غِطَاءَ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ الصُّبْحُ يَمْتَدُّ لِلْإِسْفَارِ الْأَعْلَى هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يَمْتَدُّ اخْتِيَارِيُّ الصُّبْحِ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَعَلَيْهِ فَلَا ضَرُورِيَّ لَهَا وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَكْثَرِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى قَالَ وَهُوَ مَشْهُورٌ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ شُهِرَ لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ أَشْهَرُ وَأَقْوَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا. .
(تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَبْدَأَ الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى هُنَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ زَمَنِ الدَّجَّالِ وَأَمَّا فِي زَمَنِهِ فَيُقَدَّرُ لِلظُّهْرِ وَغَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ زَمَانِهِ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْبِلَادِ السَّنَةُ فِيهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَحِينَئِذٍ فَيُقَدِّرُونَ لِكُلِّ صَلَاةٍ كَزَمَنِ الدَّجَّالِ وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ اللَّيْلُ مِنْ الْمَغْرِبِ لِلْعِشَاءِ فَيَخْرُجُ الْفَجْرُ وَقْتَ الْعِشَاءِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَسْقُطُ عَنْهُمْ الْعِشَاءُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُقَدِّرُونَ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ وَلَا نَصَّ عِنْدَنَا وَلَكِنْ اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] (قَوْلُهُ: أَيْ الْفُضْلَى) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْوُسْطَى تَأْنِيثُ الْأَوْسَطِ بِمَعْنَى الْمُخْتَارِ وَالْأَفْضَلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] وَلَا غَرَابَةَ فِي تَفْضِيلِ الْأَقَلِّ عَلَى الْأَكْثَرِ إذْ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ يُفَضِّلُ مَا يَشَاءُ عَلَى مَا يَشَاءُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَضَّلَ الْقَصْرَ عَلَى الْإِتْمَامِ وَالْوِتْرَ عَلَى الْفَجْرِ وَقِيلَ إنَّهَا تَأْنِيثُ وَسَطٍ بِمَعْنَى مُتَوَسِّطٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لِأَنَّ قَبْلَهَا لَيْلَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ وَبَعْدَهَا نَهَارَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ بِوَقْتٍ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ الْأَحَادِيثِ) أَيْ فَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» وَكَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعَصْرِ (قَوْلُهُ: وَمَا مِنْ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ إلَخْ) أَيْ فَقِيلَ إنَّهَا الظُّهْرُ لِوُقُوعِهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَقِيلَ إنَّهَا الْمَغْرِبُ لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَ ظَلَامِ اللَّيْلِ وَضَوْءِ النَّهَارِ وَقِيلَ إنَّهَا الْعِشَاءُ لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا يُقَصَّرَانِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ وَقِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى غَيْرُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقِيلَ إنَّهَا صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى وَقِيلَ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَقِيلَ صَلَاةُ الضُّحَى وَقِيلَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ مَعْنَى الْوُسْطَى عَلَى هَذَا الْفَاضِلَةُ لَا الْفُضْلَى الَّتِي هِيَ تَأْنِيثُ الْأَفْضَلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَفْضَلَ مِنْ الْفَرْضِ

(قَوْلُهُ: وَسَطَ الْوَقْتِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِهَا (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَثْنَاءَ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ النِّصْفُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَوْتُ وَاقِعًا فِي مُنْتَصَفِ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْصِ) أَيْ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ ظَنَّ السَّلَامَةَ أَوْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا بِأَنْ كَانَ خَالِي الذِّهْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى شَيْءٍ بَلْ وَلَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهَا وَإِنْ كَانَ يَعْصَى مِنْ حَيْثُ الْعَزْمُ لَا مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْمَوْتَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الظَّنُّ غَيْرُ قَوِيٍّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ نَقْلِ الْمَوَّاقُ وَقَيَّدَهُ ح بِمَا إذَا كَانَ قَوِيًّا (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا تَخَلَّفَ ظَنُّهُ) أَيْ وَكَذَا يَكُونُ عَاصِيًا إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ وَتَخَلَّفَ الظَّنُّ وَلَمْ يَمُتْ وَالْحَالُ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ وَإِنَّمَا أَثِمَ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى ظَنِّهِ لَكِنَّهُ أَدَاءٌ نَظَرًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا قَضَاءً كَمَا قِيلَ نَظَرًا لِمَا اقْتَضَاهُ الظَّنُّ مِنْ الضِّيقِ وَوُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ (قَوْلُهُ: صَارَ فِي حَقِّهِ مُضَيِّقًا) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ لِلْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ أَثِمَ مِنْ ظَنِّ الْمَوْتِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إذَا أَمْكَنَهُ الطَّهَارَةُ وَمَاتَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَفْعَلْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ظَنَّ بَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجُنُونِ كَظَنِّ الْمَوْتِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ شُرَّاحُ الرِّسَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ مِنْ

الصفحة 179