كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ مَنْ تَابَعَ التَّابِعِينَ (مَبْحَثٌ) تَفْسِيرُ الرَّاجِحِ وَالْمَشْهُورِ وَحُكْمُ الْفَتْوَى بِكُلٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ (مَبْحَثٌ) مَنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ شَيْئًا وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْفُتْيَا وَغَيْرُ ذَلِكَ (لِمَا) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي تَجِبُ (بِهِ الْفَتْوَى) لِكَوْنِهِ الْمَشْهُورَ أَوْ الْمُرَجَّحَ (فَأَجَبْت) عَطْفٌ عَلَى سَأَلَنِي (سُؤَالَهُمْ) لَمْ يَقُلْ أَجَبْتُهُمْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْ سُؤَالِهِمْ شَيْئًا بَلْ أَتَى بِهِ مُتَّصِفًا بِالْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ الِاخْتِصَارِ وَكَوْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ وَالتَّبْيِينِ لِمَا بِهِ الْفَتْوَى (بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَجَبْتُ أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْخِيَرَةِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَطَلَبِهَا بِصَلَاتِهَا وَدُعَائِهَا الْوَارِدَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهِيَ مِنْ الْكُنُوزِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ هَمَّ بِأَمْرٍ تَرْكُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَأَلَنِي أَيْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ تَأْلِيفًا مُخْتَصَرًا حَالَةَ كَوْنِي مُبَيِّنًا لَهُمْ فِيهِ الْقَوْلَ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ
(قَوْلُهُ: لِمَا بِهِ الْفَتْوَى) فِيهِ أَنَّ مَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ كُلَّ قَوْلٍ بِهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا إخْبَارٌ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْزِمُ عَلَى أَمْرٍ وَلَا يَتِمُّ لَهُ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ لِنِسْيَانٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُرَجَّحَ) أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ الْفَتْوَى إمَّا مَشْهُورٌ فَقَطْ أَوْ رَاجِحٌ فَقَطْ أَوْ مَشْهُورٌ وَرَاجِحٌ وَالْمُرَجَّحُ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَقْوَالٌ قِيلَ إنَّهُ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الرَّاجِحِ وَقِيلَ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَتْوَى إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الشَّاذُّ وَالْمُرَجَّحُ أَيْ الضَّعِيفُ فَلَا يُفْتَى بِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا الْحُكْمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ بَلْ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ قَوِيَ فِي مَذْهَبِهِ كَذَا قَالَ الْأَشْيَاخُ وَذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ جَوَازَ الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالْأَوَّلُ هُوَ اخْتِيَارُ الْمِصْرِيِّينَ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْمَغَارِبَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَفِي ح أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ شَيْئًا وَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا ضَمِنَ إنْ انْتَصَبَ وَتَوَلَّى فِعْلَ مَا أَفْتَى فِيهِ وَإِلَّا كَانَتْ فَتْوَاهُ غُرُورًا قَوْلِيًّا لَا ضَمَانَ فِيهِ وَيُزْجَرُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ اشْتِغَالٌ بِالْعِلْمِ أُدِّبَ وَتَجُوزُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْفُتْيَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ زَرُّوقٍ قَدْ سَمِعْت بِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ أَفْتَى بِأَنَّ مَنْ أَفْتَى مِنْ التَّقَايِيدِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَاسْتَظْهَرَ ح حَمْلَهُ عَلَى التَّقَايِيدِ الْمُخَالِفَةِ لِلنُّصُوصِ أَوْ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا التَّقَايِيدُ الْمَنْقُولَةُ مِنْ الشُّرَّاحِ وَالنُّصُوصِ فَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ مِنْهَا قَطْعًا، فَإِنْ جَهِلَ حَالَ تِلْكَ التَّقَايِيدِ فَقَالَ فِي عج الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ نَقْلًا عِنْدَ جَهْلِ الْحَالِ وَفِي شب يَمْتَنِعُ تَتَبُّعُ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ وَفَسَّرَهَا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ مِنْ مُخَالِفِ النَّصِّ وَجَلِيِّ الْقِيَاسِ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ الْمُرَادَ بِتَتَبُّعِ الرُّخَصِ رَفْعُ مَشَقَّةِ التَّكْلِيفِ بِاتِّبَاعِ كُلِّ سَهْلٍ وَفِيهِ أَيْضًا امْتِنَاعُ التَّلْفِيقِ وَاَلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ شَيْخِنَا نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُهُ وَهُوَ فُسْحَةٌ اهـ وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ طَرِيقَتَانِ: الْمَنْعُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَصَارِوَةِ وَالْجَوَازُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ وَرُجِّحَتْ.
(قَوْلُهُ: فَأَجَبْت سُؤَالَهُمْ) أَيْ بِوَضْعِ جَمِيعِ التَّأْلِيفِ إنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ إنْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً وَلَيْسَ قَوْلُهُ: بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مُعَيَّنًا أَنَّ الْإِجَابَةَ بِالشُّرُوعِ لِصِدْقِهِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ (قَوْلُهُ: بَلْ أَتَى بِهِ) أَيْ بِمَا سَأَلُوهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْخِيَرَةِ) أَيْ بَعْدَ طَلَبِ مَا فِيهِ خَيْرٌ أَيْ طَلَبِ بَيَانٍ مَا هُوَ خَيْرٌ لِي وَأَوْلَى لِي هَلْ الِاشْتِغَالُ بِتَأْلِيفِ مُخْتَصَرٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي طَلَبُوهُ أَوْ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَوْجَهِ الطَّاعَاتِ (قَوْلُهُ: وَطَلَبُهَا) أَيْ وَطَلَبُ بَيَانِهَا (قَوْلُهُ: بِصَلَاتِهَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْكَافِرُونَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الثَّانِيَة الْإِخْلَاصَ كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهُمَا يَسْتَغْفِرُ

الصفحة 20