كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ أَوْ بِإِنَّمَا وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوُ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوُ مَنْ قَامَ فَأَكْرِمْهُ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوُ أَكْرِمْ الْعَالِمَ وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا لِعِلْمِهِ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ نَحْوُ جَلَسْت أَمَامَهُ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوُ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ أَيْ الِاسْمِ الْجَامِدِ نَحْوُ فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ وَكُلُّهَا حُجَّةٌ إلَّا اللَّقَبُ (وَأُشِيرُ بِصُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ إلَى أَنَّ شَيْخًا) مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ (غَيْرِ) الْأَرْبَعَةِ (الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا) الْفَرْعَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ صَحَّحَهُ مِنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ (أَوْ اسْتَظْهَرَهُ) مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ (وَ) أُشِيرُ (بِالتَّرَدُّدِ) لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا (لِتَرَدُّدِ) جِنْسِ (الْمُتَأَخِّرِينَ) ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ (فِي النَّقْلِ) عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْمَانِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ وَالثَّانِي يُسَمَّى لَحْنُ الْخِطَابِ فَفَحْوَى الْخِطَابِ هُوَ الْمَفْهُومُ الْأَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَمَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَعْنِي ضَرْبَ الْوَالِدَيْنِ الدَّالُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ مِنْ التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ بِهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ وَهُوَ الْإِيذَاءُ وَالْعُقُوقُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ أَشَدُّ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْإِيذَاءِ وَالْعُقُوقِ، وَأَمَّا لَحْنُ الْخِطَابِ فَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُسَاوِي لِلْمَنْطُوقِ فِي الْحُكْمِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَتَحْرِيمِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ فَإِنَّ الْإِحْرَاقَ مُسَاوٍ لِلْأَكْلِ فِي الْحُرْمَةِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْإِتْلَافُ لِتَسَاوِي الْحَرْقِ وَالْأَكْلِ فِي إتْلَافِهِ عَلَى الْيَتِيمِ (قَوْلُهُ: مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ) أَيْ نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ فَمَنْطُوقُهُ نَفْيُ الْقِيَامِ عَنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِإِنَّمَا) نَحْوُ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] أَيْ مَنْطُوقُهُ قَصْرُ الْإِلَهِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَمَفْهُومُهُ نَفْيُ تَعَدُّدِ الْإِلَهِ
(قَوْلُهُ: إنَّهُ مِنْ الْمَنْطُوقِ) أَيْ وَقِيلَ: إنَّ مَفْهُومَ الْحَصْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ فَيَكُونُ مَنْطُوقُ الْحَصْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كُلًّا مِنْ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ لَا أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أَيْ أَنَّ غَايَةَ الْإِتْمَامِ دُخُولُ اللَّيْلِ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا إتْمَامَ بَعْدَ دُخُولِهِ وَقِيلَ: إنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ مِنْ الْكَلَامِ التَّامِّ الْمُوجِبِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ مَفْهُومِ الْحَصْرِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا) فَمَنْطُوقُهُ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِلْقَوْمِ غَيْرِ زَيْدٍ وَمَفْهُومُهُ نَفْيُ الْقِيَامِ عَنْ زَيْدٍ (قَوْلُهُ: نَحْوُ مَنْ قَامَ فَأَكْرِمْهُ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ يُكْرَمْ (قَوْلُهُ: نَحْوُ أَكْرِمْ الْعَالِمَ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَالِمِ لَا يُكْرَمُ (قَوْلُهُ: نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا لِعِلْمِهِ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَمُ لِغَيْرِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ سَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْخَمِيسِ لَا يُسَافَرُ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ جَلَسْت أَمَامَهُ) أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ فِي غَيْرِ أَمَامِهِ كَخَلْفِهِ مَثَلًا قَوْلُهُ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ لَا يُجْلَدُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ: «فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» أَيْ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْغَنَمِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَكَمَا فِي قَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ لَمْ يَجِئْ (قَوْلُهُ: وَكُلُّهَا) أَيْ مَفَاهِيمُ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةٌ أَيْ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ
(قَوْلُهُ: إلَّا اللَّقَبَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (قَوْلُهُ: وَبِصُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ) أَيْ مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَعْيِينَ ذَلِكَ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ شَيْخًا مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ) أَيْ كَابْنِ رَاشِدٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَالْمُؤَلِّفِ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يُشِيرُ لِاسْتِظْهَارِ نَفْسِهِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ صَحَّحَهُ مِنْ الْخِلَافِ) أَيْ الْوَاقِعِ فِيهِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنْ يَأْتِيَ لِقَوْلٍ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهِ وَيُصَحِّحُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَظْهَرَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) أَيْ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ وَاحِدٌ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ قَوْلًا فِي فَرْعٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يَجُوزُ إلَخْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَالْأَوَّلُ يُشِيرُ إلَيْهِ بِصَحَّحَ وَالثَّانِي يُشِيرُ إلَيْهِ بِأَسْتَحْسِنُ يَعْنِي أَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّصْحِيحِ لِمَا يُصَحِّحُهُ الشَّيْخُ الَّذِي مِنْ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ وَيُشِيرُ بِالِاسْتِحْسَانِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَخِلَافُ الْأَقْرَبِ الشُّمُولُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَبِالتَّرَدُّدِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَوْلَى وَبِتَرَدُّدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ كَقَوْلِهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِهِ إلَّا كَذَلِكَ أَيْ مَرْفُوعًا مُجَرَّدًا مِنْ اللَّامِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ حِكَايَةُ الْمُفْرَدِ بِغَيْرِ الْقَوْلِ وَهِيَ شَاذَّةٌ (قَوْلُهُ: إمَّا لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ) أَيْ وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ كَمَا فِي الشَّارِحِ وَزَادَ الشَّارِحُ جِنْسٌ لِأَجْلِ أَنْ يَصْدُقَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِتَرَدُّدِ الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ (قَوْلُهُ: ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ

الصفحة 25