كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

مَطْلَبٌ أَوَّلُ طَبَقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَنْ يَنْقُلُوا عَنْ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَكَان حُكْمًا ثُمَّ يَنْقُلُوا عَنْهُ فِي مَكَان آخَرَ خِلَافَهُ أَوْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ حُكْمًا وَيَنْقُلَ عَنْهُ آخَرُ خِلَافَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ إمَّا اخْتِلَافُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ وَإِمَّا الِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ فَيُنْسَبُ لَهُ كُلُّ مَا فَهِمَهُ مِنْهُ وَكَأَنْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمٍ وَيَنْقُلَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُمْ عَلَى أَقْوَالٍ (أَوْ) تَرَدُّدِهِمْ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ (لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) عَلَيْهِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ عَطْفًا عَلَى التَّرَدُّدِ بَلْ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي النَّقْلِ
(وَ) أُشِيرُ غَالِبًا (بِلَوْ) الْمُقْتَرِنَةِ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا الْجَوَابَ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَهَا نَحْوُ الْحُكْمِ كَذَا وَلَوْ كَانَ كَذَا (إلَى) رَدِّ (خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ) بِيَاءِ النِّسْبَةِ مُنَوَّنًا نَعْتٌ لِخِلَافٍ أَيْ خِلَافٍ مَنْسُوبٍ لِلْمَذْهَبِ الَّذِي أَلَّفْت فِيهِ هَذَا الْمُخْتَصَرَ أَيْ لِخِلَافٍ وَاقِعٍ فِيهِ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوَّلَ طَبَقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ طَبَقَةُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَمَّا مَنْ قَبْلَهُ فَمُتَقَدِّمُونَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَنْقُلُوا) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلَوْ وَاحِدًا (قَوْلُهُ: فِي مَكَان) أَيْ كَالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْقُلُوا عَنْهُ) أَيْ النَّاقِلِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي مَكَان آخَرَ أَيْ كَالْإِجَازَةِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ تَعَدَّدَ الْمَكَانُ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى نَقْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: أَوْ يَنْقُلُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ حُكْمًا) أَيْ فِي مَسْأَلَةٍ وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَمَّنْ ذُكِرَ مِنْ مَالِكٍ أَوْ ابْنِ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: وَيُنْقَلُ عَنْهُ آخَرُ خِلَافَهُ) أَيْ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا كَأَنْ يَنْقُلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وُجُوبَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَيَنْقُلَ عَنْهُ الْقَابِسِيُّ السُّنِّيَّةَ وَعَدَمَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ ذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةٍ فَيَنْقُلُ عَنْهُ نَاقِلٌ قَوْلًا وَيَنْقُلُ عَنْهُ النَّاقِلُ الثَّانِي الْقَوْلَ الْآخَرَ وَسَوَاءٌ عُلِمَ رُجُوعُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ يَنْقُلَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) أَيْ وَيُنْقَلُ غَيْرُهُمَا
(قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ عَلَى أَقْوَالٍ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَدُّدُهُمْ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ) أَيْ وَإِمَّا لِتَرَدُّدِ جِنْسِ الْمُتَأَخِّرِينَ الصَّادِقِ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ هَذَا وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ قَدْ حَصَرَ التَّرَدُّدَ هُنَا فِي مَحَلَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِهِ التَّرَدُّدُ بِمَعْنَى خِلَافٍ مُنْتَشِرٍ كَقَوْلِهِ وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ بِلَا وَكَالَةٍ تَرَدُّدٌ أَيْ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ أَيْ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ التَّرَدُّدَ بِهَذَا الْمَعْنَى نَادِرًا كَانَ كَالْعَدَمِ فَلِذَا تَرَكَهُ أَوْ أَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَانِعَةُ جَمْعٍ تُجَوِّزُ الْخُلُوَّ لَكِنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ لَا يُلَائِمُ قَوْلَ الشَّارِحِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ تَأَمَّلْ
1 -
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ قَوْلُهُ: لِعَدَمِ عَطْفًا عَلَى لِتَرَدُّدِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَطْفَ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ تَرَدُّدٌ بَلْ جَزَمُوا كُلُّهُمْ بِحُكْمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِفَقْدِ مَعْنَى التَّرَدُّدِ حِينَئِذٍ إذْ لَا تَرَدُّدَ مَعَ جَزْمِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ كَانَ مَعْنَاهُ التَّحَيُّرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَمَعْنَاهُ الِاخْتِلَافُ مَعَ الْجَزْمِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي النَّقْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ ظَاهِرٌ إذْ الْأَوَّلُ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَصْحَابِهِ.
وَالثَّانِي لِتَرَدُّدِهِمْ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَلَامَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ أَيْ التَّرَدُّدِ فِي النَّقْلِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ أَكْثَرُ وَالثَّانِي أَقَلُّ كَقَوْلِهِ وَفِي حَقِّ غَصْبٍ تَرَدُّدٌ وَفِي رَابِعٍ تَرَدُّدٌ وَفِي إجْزَاءِ مَا وُقِفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ: وَبِلَوْ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَالَ الْحُكْمُ كَذَا، وَلَوْ كَانَ كَذَا فَإِنَّهُ يُشِيرُ بِإِتْيَانِهِ بِلَوْ إلَى أَنَّ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلًا آخَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ وَفِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قَلَقٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَبِلَوْ أَنَّهَا تُفِيدُ مَا ذُكِرَ حَيْثُمَا وَقَعَتْ، وَلَوْ صَرَّحَ بِجَوَابِهَا بَعْدَهَا، وَلَوْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِوَاوٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اقْتِرَانِهَا بِالْوَاوِ وَالِاكْتِفَاءُ عَنْ جَوَابِهَا بِمَا تَقَدَّمَ وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِلْجَوَابِ بِأَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفَ الصِّفَةِ وَالْحَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَبِلَوْ وَلَا جَوَابَ بَعْدَهَا إلَى خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ كَانَ أَظْهَرَ
(قَوْلُهُ: الْمُقْتَرِنَةِ بِالْوَاوِ) أَيْ الَّتِي لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهَا الْجَوَابُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ لَوْ جَوَابُهَا (قَوْلُهُ: اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَهَا) أَيْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: إلَى رَدِّ خِلَافٍ) أَيْ قَوِيٍّ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُقَابِلُ ضَعِيفًا فَلَا يُشِيرُ لِرَدِّهِ بِلَوْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ أَصْلًا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَة الْعَدَمِ (قَوْلُهُ: أَيْ خِلَافٌ مَنْسُوبٌ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ مَعْنَى الْمُصَنِّفِ إلَى خِلَافِ مَنْسُوبِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ نَكِرَةٌ صَادِقٌ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يُشِيرُ بِلَوْ إلَى خِلَافٍ وَاقِعٍ فِي

الصفحة 26