كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ (وَاَللَّهَ أَسْأَلَ) أَيْ لَا غَيْرَهُ (أَنْ يَنْفَعَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ (مَنْ كَتَبَهُ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ (أَوْ قَرَأَهُ) بِحِفْظٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ تَفَهُّمًا أَوْ تَعْلِيمًا أَوْ تَعَلُّمًا (أَوْ حَصَّلَهُ) بِمِلْكٍ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِاسْتِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ (أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْءُ صَادِقٌ بِبَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَبِبَعْضٍ وَاحِدٍ مِنْهَا فَقَطْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِعَانَةِ الْكَاتِبِ بِمِدَادٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ إعَانَةِ الْقَارِئِ بِنَفَقَةٍ وَالْمُحَصَّلُ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ، وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَقَبَّلَ مِنْهُ هَذَا السُّؤَالَ
(وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا) أَيْ يَحْفَظُنَا وَيَمْنَعُنَا (مِنْ) الْوُقُوعِ فِي (الزَّلَلِ) كَالزَّلَقِ لَفْظًا وَمَعْنًى يُرِيدُ بِهِ لَازِمَهُ وَهُوَ النَّقْصُ لِأَنَّ مَنْ زَلَقَتْ رِجْلُهُ فِي طِينٍ أَوْ زَلَقَ لِسَانُهُ فِي مَنْطِقٍ فَقَدْ نَقَصَ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ مَعْنًى كَقَوْلِهِ (وَيُوَفِّقُنَا) لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ (فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ) أَيْ أَقْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا بِأَنْ يَخْلُقَ فِينَا قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمِنْهُ تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْ وُقُوعِ الْخَلَلِ فِيهِ وَيُوَفِّقَنَا فِيهِ لِمَا يُرْضِيهِ (ثُمَّ) بَعْدُ أَنْ أَعْلَمْتُك بِأَنِّي أَجَبْت سُؤَالَهُمْ وَبِاصْطِلَاحِي فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ تَكُونُ إلَخْ) هَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي ارْتَكَبَهَا فِي لَوْ ارْتَكَبَ عَكْسَهَا فِي أَنَّ فَيَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمُبَالَغَةِ غَالِبًا وَلِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ قَلِيلًا (قَوْلُهُ: وَاَللَّهَ أَسْأَلُ) أَيْ وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا غَيْرَهُ) أَخَذَ الْحَصْرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ وَهَذَا يَقْتَضِي قِرَاءَةَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرٌ وَالرَّابِطُ لَهَا مَحْذُوفٌ (قَوْلُهُ: مِنْ كَتَبَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَرَأَهُ بِحِفْظٍ إلَخْ) بَلْ، وَلَوْ قَرَأَهُ بِمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِاسْتِعَارَةٍ) عَطْفٌ عَلَى بِمِلْكٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَشْمَلُ مِلْكَ الذَّاتِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ) أَيْ فِي تَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرِ) جَعْلُهُ الضَّمِيرَ رَاجِعًا لِلْمُخْتَصَرِ أَوْلَى مِنْ عَوْدِهِ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَهُ أَيْ أَوْ سَعَى فِي تَحْصِيلِ بَعْضِ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ عَلَى الْمُخْتَصَرِ أَعَمُّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَالشَّيْءُ) أَيْ وَتَحْصِيلُ الشَّيْءِ صَادِقٌ بِبَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ أَيْ صَادِقٌ بِتَحْصِيلِ بَعْضِ كُلِّ وَاحِدٍ بِأَنْ كَتَبَ الْبَعْضُ مِنْهُ وَمَلَكَهُ وَقَرَأَهُ (قَوْلُهُ: وَبِبَعْضٍ وَاحِدٍ مِنْهَا فَقَطْ) أَيْ بِأَنْ كَتَبَ بَعْضَهُ فَقَطْ أَوْ قَرَأَ بَعْضَهُ أَوْ مَلَكَ بَعْضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بَعْضٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ كِتَابَةِ كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمُحَصِّلُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْقَارِئِ أَيْ وَإِعَانَةُ الْمُحَصِّلِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ دَالَّةٌ إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَشَرَ ذِكْرَهُ فِي الْآفَاقِ وَجَبَلَ قُلُوبَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا) مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِصْمَةِ وَهِيَ لُغَةً الْحِفْظُ وَالْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا مَلَكَةٌ تَمْنَعُ الْفُجُورَ أَيْ كَيْفِيَّةً يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي الْعَبْدِ تَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْفُجُورِ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: لَفْظًا وَمَعْنًى) يُقَالُ زَلَّ يَزِلُّ كَضَرَبَ يَضْرِبُ بِمَعْنَى زَلَقَ (قَوْلُهُ: فَقَدْ نَقَصَ) أَيْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي عِرْضِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُحْتَقَرُ بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ مَعْنًى) أَيْ فَهِيَ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ الدُّعَائِيَّةِ، وَلَوْ تَجَرَّدَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِلْخَبَرِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَطْفُ بِاتِّفَاقِ الْبَيَانِيِّينَ وَعَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، وَلَوْ نَصَبَ اللَّهَ هُنَا بِأَسْأَلُ لَمْ يَصِحَّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَالْعَاطِفُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَاوُ وَسِيبَوَيْهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ أَقْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ أَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ فِي كُلِّ حَالٍ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ تَعْمِيمُ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ كُلِّ حَالٍ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ

الصفحة 27