كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

خِلَافًا لِلْمَازِرِيِّ (مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ) أَوْ غَيْرِهِمَا صِفَةٌ لِمَطْرُوحٍ مَعْدِنِيًّا كَانَ الْمِلْحُ أَوْ مَصْنُوعًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَالْأَرْجَحُ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ (السَّلْبُ) لِلطَّهُورِيَّةِ (بِالْمِلْحِ) الْمَطْرُوحِ قَصْدًا خَاصَّةً وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ) أَيْ بِالْمِلْحِ (إنْ صُنِعَ) مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَتُرَابٍ مَالِحٍ سُخِّنَ بِنَارٍ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهُ مِلْحٌ لَا إنْ لَمْ يُصْنَعْ بِأَنْ كَانَ مَعْدِنِيًّا فَلَا يَتَّفِقُ فِيهِ عَلَى السَّلْبِ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَعَدَمُ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَالرَّاجِحُ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّرَدُّدِ وَهُوَ عَدَمُ الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِ كَالْمَعْدِنِيِّ، وَالرَّاجِحُ مِنْ الْخِلَافِ عَدَمُ السَّلْبِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ

(لَا) يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ (بِ) مَاءٍ (مُتَغَيِّرٍ) تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا وَلَمْ يَكُنْ بَيِّنًا (لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا) أَيْ شَيْءٍ (يُفَارِقُهُ غَالِبًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQطُبِخَ فِي الْمَاءِ وَالْفَرْقُ أَنَّ طَبْخَ الطُّحْلُبِ فِي الْمَاءِ يَنْشَأُ عَنْهُ حَالَةٌ لِلْمَاءِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ الْمِلْحِ إذَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَاءً مُسَخَّنًا قَالَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْمَازِرِيِّ) أَيْ الْقَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَا طُرِحَ قَصْدًا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِرَدِّهِ بِلَوْ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِمَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَشَبٍّ وَجِيرٍ، وَلَوْ مَحْرُوقًا وَجِبْسٍ، وَلَوْ صَارَتْ عَقَاقِيرَ فِي أَيْدِي النَّاسِ كَمَا فِي ح وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التُّرَابِ وَالْمِلْحِ تَنْبِيهًا بِأَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ لِلْمَاءِ وَهُوَ التُّرَابُ وَأَبْعَدِهَا مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْحُ عَلَى حُكْمِ مَا بَيْنَهُمَا فَيُعْلَمُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: السَّلْبُ بِالْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ قَصْدًا) أَيْ، وَأَمَّا الْمَطْرُوحُ قَصْدًا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الِاتِّفَاقِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ قَصْدًا فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ لَا يَنْقُلُ حُكْمَ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: إنَّهُ كَالطَّعَامِ فَيَنْقُلُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ وَقَالَ الْبَاجِيَّ الْمَعْدِنِيُّ كَالتُّرَابِ وَالْمَصْنُوعُ كَالطَّعَامِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ لِلْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ بَعْدَهُمْ هَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الطُّرُقُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ كَالتُّرَابِ أَرَادَ الْمَعْدِنِيَّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالطَّعَامِ أَرَادَ الْمَصْنُوعَ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّ الْمَصْنُوعَ يَضُرُّ وَهَذَا هُوَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنْ التَّرَدُّدِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ قَصْدًا وَتَرْجِعُ هَذِهِ الطُّرُقُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مُتَبَايِنَةٍ فَمَنْ قَالَ لَا يَضُرُّ فَمُرَادُهُ، وَلَوْ مَصْنُوعًا وَمَنْ قَالَ يَضُرُّ فَمُرَادُهُ، وَلَوْ مَعْدِنِيًّا فَالْمَصْنُوعُ فِيهِ خِلَافٌ كَغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّرَدُّدِ وَهُوَ الْمَحْذُوفُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاتِّفَاقِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الَّذِينَ أَتَوْا بَعْدُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَهْمِ إنْ قُلْت: إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ وَبِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُمَا قُلْت هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَقَدِّمِينَ مَنْ تَقَدَّمَ، وَلَوْ تَقَدُّمًا نِسْبِيًّا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا الْمُتَقَدِّمِينَ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا نُسِبَ إلَيْهِمْ، وَلَوْ بِحَسَبِ الْفَهْمِ وَالْحَمْلِ لِكَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَدَمُ الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ) أَيْ الْمَصْنُوعِ (قَوْلُهُ: بَلْ الْخِلَافُ) أَيْ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ قَصْدًا جَارٍ فِيهِ كَالْمَعْدِنِيِّ (قَوْلُهُ: عَدَمُ السَّلْبِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعْدِنِيًّا أَوْ مَصْنُوعًا

(قَوْلُهُ: لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ بِمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُتَغَيِّرٍ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمُطْلَقِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ عَطْفِ النَّكِرَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ ظَنًّا) أَيْ قَوِيًّا بِخِلَافِ الْمَشْكُوكِ فِي تَغَيُّرِهِ وَالْمَظْنُونُ تَغَيُّرُهُ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ وَالْمُتَوَهَّمُ تَغَيُّرُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِالْمُفَارِقِ إمَّا لَوْنُ الْمَاءِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُتَحَقَّقَ التَّغَيُّرُ أَوْ يُظَنَّ ظَنًّا قَوِيًّا أَوْ غَيْرَ قَوِيٍّ أَوْ يُشَكَّ فِيهِ أَوْ يَكُونَ مُتَوَهَّمًا، فَإِنْ كَانَ الْمُتَغَيِّرُ اللَّوْنَ أَوْ الطَّعْمَ ضَرَّ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مُحَقَّقًا أَوْ مَظْنُونًا ظَنًّا قَوِيًّا لَا إنْ كَانَ مَشْكُوكًا أَوْ مُتَوَهَّمًا أَوْ مَظْنُونًا ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَغَيِّرُ الرِّيحَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَغَيُّرُ الرِّيحِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا وَنَسَبَ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَحْنُونٍ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ كَوْنِ تَغَيُّرِ الرِّيحِ كَثِيرًا فَيَضُرُّ أَوْ خَفِيفًا فَلَا يَضُرُّ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفٌ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الظَّنِّ الْقَوِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ مَا لعبق وَلَكِنَّ الْحَقَّ

الصفحة 37