كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

أَيْ كَثِيرًا وَقَوْلُهُ: (مِنْ طَاهِرٍ) كَلَبَنٍ وَزَعْفَرَانٍ (أَوْ نَجِسٍ) كَبَوْلٍ وَدَمٍ بَيَانٌ لِمَا (كَدُهْنٍ خَالَطَ) أَيْ مَازَجَ مِثَالٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَاهِرًا وَقَدْ يَكُونُ نَجِسًا وَقَوْلُهُ: (أَوْ بُخَارِ) أَيْ دُخَانِ (مُصْطَكَى) مِثَالٌ لَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ دُخَانَ النَّجِسِ نَجِسٌ لَا عَلَى الرَّاجِحِ وَسَوَاءٌ بُخِّرَ بِهِ الْمَاءُ أَوْ الْإِنَاءُ وَوُضِعَ فِيهِ الْمَاءُ مَعَ بَقَاءِ الدُّخَانِ لَا إنْ لَمْ يَبْقَ فَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ رِيحِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمُتَغَيِّرِ بَعْدَ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَدَمِهِ (كَمُغَيِّرِهِ) ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ فَلَا (وَيَضُرُّ) الْمَاءُ (بَيِّنُ تَغَيُّرِ) أَيْ تَغَيُّرٍ بَيِّنٍ أَيْ ظَاهِرٍ لِأَحَدِ أَوْصَافِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ظَنِّ التَّغَيُّرِ قَوِيًّا أَوْ غَيْرَ قَوِيٍّ فِي أَنَّهُ يَضُرُّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا وَلِذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُ فِي الظَّنِّ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقَوِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ كَثِيرًا) أَيْ فِي أَكْثَرِ الْأَزْمِنَةِ اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ التَّغَيُّرِ بِمَا لَا يُفَارِقُهُ أَصْلًا وَبِمَا يُفَارِقُهُ قَلِيلًا فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ فَالْأَوَّلُ كَالتَّغَيُّرِ بِالْمُقِرِّ وَالثَّانِي كَالتَّغَيُّرِ بِالسَّمَكِ الْحَيِّ وَكَالتَّغَيُّرِ بِالسَّمْنِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ أَوَانِيهِمْ عَنْهُ غَالِبًا فَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي ح عَنْ ابْنِ رُشْدٍ (قَوْلُهُ: مِثَالٌ لَهُمَا) أَيْ لِلْمُغَيِّرِ الْمُفَارِقِ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ) أَيْ الدُّهْنُ طَاهِرًا إلَخْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ كَدُهْنٍ خَالَطَ وَبُخَارٍ مُصْطَكَى مِثَالَانِ لِلْمُغَيِّرِ الْمُفَارِقِ غَالِبًا هُوَ الْأَوْلَى مِنْ جَعْلِهِمَا مُشَبَّهَيْنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ، وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي مُغَايَرَةَ الْمُشَبَّهِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ تَشْبِيهِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ وَيَكْفِي فِي التَّشْبِيهِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ بِالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ نَعَمْ يُعْتَرَضُ عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الدُّهْنَ الْمُخَالِطَ يَضُرُّ مُطْلَقًا غَيَّرَ الْمَاءَ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ الثَّلَاثَةِ كَانَ التَّغَيُّرُ بَيِّنًا أَمْ لَا وَكَذَا يُقَالُ فِي بُخَارِ الْمُصْطَكَى (قَوْلُهُ: مُصْطَكَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا لَكِنْ مَعَ الْفَتْحِ يَجُوزُ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ أَمَّا مَعَ الضَّمِّ فَالْقَصْرُ مُتَعَيِّنٌ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَبُخَارٌ كَمُصْطَكَى بِالْكَافِ كَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ غَيْرُهَا كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِبَخُورِ الْمُصْطَكَى بَلْ بُخَارُ غَيْرِهَا كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَافَ كَدُهْنٍ الدَّاخِلَةَ عَلَى بُخَارٍ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ مُصْطَكَى تَقْدِيرًا كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا أَيْضًا) أَيْ لِأَنَّ دُخَانَ الْمُصْطَكَى قَدْ يَكُونُ نَجِسًا كَمَا يَكُونُ طَاهِرًا، فَإِذَا كَانَتْ الْمُصْطَكَى طَاهِرَةً كَانَ دُخَانُهَا طَاهِرًا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَجِّسَةً كَانَ دُخَانُهَا نَجِسًا (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي إلَخْ) أَيْ وَجُعِلَ بُخَارُ الْمُصْطَكَى مِثَالًا لِلْمُغَيِّرِ الْمُفَارِقِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا بِنَاءً إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ مِنْ أَنَّ النَّارَ تُطَهِّرُ وَأَنَّ دُخَانَ النَّجِسِ طَاهِرٌ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَبُخَارٍ مُصْطَكَى مِثَالٌ لِمَا إذَا كَانَ الْمُغَيِّرُ الْمُفَارِقُ طَاهِرًا وَقَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ بُخِّرَ بِهِ الْمَاءُ أَيْ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْإِنَاءِ وَوُضِعَتْ الْمِبْخَرَةُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى الْخَالِي مِنْ الْمَاءِ وَغَطَّى الْإِنَاءَ بِشَيْءٍ حَتَّى امْتَزَجَ دُخَانُ الْبَخُورِ بِالْمَاءِ فَيَضُرُّ (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ لَمْ يَبْقَ) أَيْ الدُّخَانُ كَمَا لَوْ بُخِّرَ الْإِنَاءُ وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ بَعْدَ تَبْخِيرِهِ وُضِعَ فِيهِ الْمَاءُ بَعْدَ أَنْ زَالَ الدُّخَانُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْإِنَاءِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ رَائِحَةُ الْبَخُورِ فَتَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ بِرَائِحَةِ الْبَخُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِنَاءِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابًا عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ التَّغَيُّرُ بِالْمُفَارِقِ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَهَلْ يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ فِي الْعَادَاتِ أَوْ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ فِيهَا وَهَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ قِسْمَيْنِ مِنْ أَقْسَامِ الْمَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ مُطْلَقٌ وَغَيْرُ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ إمَّا مَكْرُوهُ الِاسْتِعْمَالِ وَسَيَأْتِي وَإِمَّا غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَقَدْ مَرَّ وَغَيْرُ الْمُطْلَقِ إمَّا طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَجِسٍ فَلَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا وَفِيهِ أَنَّ النَّجِسَ مَمْنُوعُ التَّنَاوُلِ وَمَا تَغَيَّرَ بِهِ وَهُوَ الْمُتَنَجِّسُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا يَأْتِي فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ مِنْ سَقْيِ زَرْعٍ وَمَاشِيَةٍ مَثَلًا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا (قَوْلُهُ: أَيْ ظَاهِرٌ) الْأَوْلَى أَيْ

الصفحة 38