كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) أَيْ سَاقِيَةٍ أَوْ دَلْوٍ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ وِعَاءٍ يُخْرَجُ بِهِ الْمَاءُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَخُوصٍ أَوْ حَلْفَاءَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَلَوْ بَيِّنًا (كَ) تَغَيُّرِ (غَدِيرٍ) وَلَوْ غَيْرَ بَيِّنٍ فَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ التَّغَيُّرِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَيِّنًا وَهُوَ وَاحِدُ الْغُدْرَانِ قَطَعَ الْمَاءَ يُغَادِرُهَا السَّيْلُ (بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ) وَبَوْلِهَا عِنْدَ وُرُودِهَا لَهُ (أَوْ) تَغَيُّرِ مَاءٍ (بِئْرٍ) وَلَوْ غَيْرَ بَيِّنٍ أَيْضًا (بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ) أَلْقَتْهُ الرِّيَاحُ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِئْرَ بَادِيَةٍ أَوْ لَا
(وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ قَوْلَيْ مَالِكٍ (فِي) تَغَيُّرِ مَاءِ (بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ) أَيْ جَوَازُ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ بِهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِثْلُ الْبِئْرِ الْغُدْرَانُ فَلَا مَفْهُومَ لِلْبِئْرِ بَلْ وَلَا لِلْبَادِيَةِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عُسْرِ الِاحْتِرَازِ وَغَلَبَةِ السُّقُوطِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ (وَفِي جَعْلِ) أَيْ تَقْدِيرِ الْمُفَارِقِ غَالِبًا (الْمُخَالِطِ) لِلْمُطْلَقِ الْيَسِيرِ قَدْرَ آنِيَةِ الْغُسْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثِيرٌ مُتَفَاحِشٌ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ قَلِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى مَا يَضُرُّ فِيهِ التَّغَيُّرُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بَيِّنًا أَمْ لَا ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَضُرُّ فِيهِ التَّغَيُّرُ الْبَيِّنُ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْبَيِّنِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَغَيُّرُ الْبِئْرِ بِمَا يُخْرَجُ الْمَاءُ بِهِ مِنْهَا مِنْ حَبْلٍ أَوْ دَلْوٍ وَفِي بْن اعْلَمْ أَنَّ التَّغَيُّرَ إمَّا بِمُلَازِمٍ غَالِبًا فَيُغْتَفَرُ أَوْ بِمُفَارِقٍ غَالِبًا وَدَعَتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَحَبْلِ الِاسْتِقَاءِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ: إنَّهُ طَهُورٌ وَهُوَ لِابْنِ زَرْقُونٍ وَقِيلَ لَيْسَ بِطَهُورٍ وَهُوَ لِابْنِ الْحَاجِّ وَالثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ التَّفْصِيلُ بَيْنَ التَّغَيُّرِ الْفَاحِشِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الرَّابِعُ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِآلَةِ الِاسْتِقَاءِ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ لِيَشْمَلَ الْحَبْلَ وَالْكُوبَ وَالسَّانِيَةَ وَغَيْرَهَا كَانَ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ: بِحَبْلِ سَانِيَةٍ) لَا مَفْهُومَ لِسَانِيَةٍ بَلْ الْبِئْرُ غَيْرُ السَّانِيَةِ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ يُنْقَلُ مِنْهُ الْمَاءُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِحَبْلٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ وَلَا لِسَانِيَةٍ كَمَا قُلْنَا بَلْ مَتَى تَغَيَّرَ الْبِئْرُ كَانَتْ سَانِيَةً أَوْ لَا بِمَا يُخْرَجُ بِهِ الْمَاءُ مِنْهَا كَحَبْلِ الِاسْتِقَاءِ وَالدَّلْوِ وَالْكُوبِ، فَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ فَاحِشًا ضَرَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَفَاحِشٍ لَمْ يَضُرَّ وَيُعْتَبَرُ التَّفَاحُشُ وَعَدَمُهُ بِالْعُرْفِ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُخْرَجُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِسَبَبِهِ مُعَدًّا لِتِلْكَ الْبِئْرِ بِعَيْنِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَبْلًا مَثَلًا مُعَدًّا لِغَيْرِهَا ثُمَّ إنَّهُ صَارَ يَنْزِلُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيِّنًا أَمْ لَا خِلَافًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا) أَيْ كَفَخَّارٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ (قَوْلُهُ: كَتَغَيُّرِ غَدِيرٍ) أَيْ كَمَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ غَدِيرٍ (قَوْلُهُ: فَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ التَّغَيُّرِ) أَيْ فِي الضَّرَرِ بِمُطْلَقِ التَّغَيُّرِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَيِّنًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَغَيُّرَ الْغَدِيرِ بِرَوْثِ الْمَاشِيَةِ مُضِرٌّ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ بَيِّنًا أَمْ لَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى تَقْيِيدُ الضَّرَرِ بِكَوْنِ التَّغَيُّرِ بَيِّنًا، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهَا وَجَعَلَ التَّشْبِيهَ تَامًّا (قَوْلُهُ: يُغَادِرُهَا) أَيْ يَتْرُكُهَا السَّيْلُ وَعَلَى هَذَا فَغَدِيرٌ بِمَعْنَى مَغْدُورٍ اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ مَتْرُوكٌ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَغْدِرُ بِأَهْلِهَا عِنْدَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا وَعَلَيْهِ فَغَدِيرٌ بِمَعْنَى غَادِرٍ اسْمُ فَاعِلٍ (قَوْلُهُ: بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ) لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهَا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَاشِيَةَ بِالذِّكْرِ رَدًّا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ الْقَوْلِ بِطَهُورِيَّةِ الْغَدِيرِ الْمُتَغَيِّر بِرَوْثِ الْمَاشِيَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ اُنْظُرْ ح أَوْ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تَرِدَ الْغُدْرَانَ أَوْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُرُودِهَا لَهُ) أَيْ لِلْغَدِيرِ أَيْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَغَيَّرَ مَاءُ بِئْرٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفَ مُضَافَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا) أَيْ بِوَرَقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ الْجَوَازُ وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِعُرُوقِ شَجَرَةٍ فِي أَصْلِهِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُثْمِرَةً أَمْ لَا كَمَا فِي ح (قَوْلُهُ: لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فَهُوَ عِلَّةُ لِعِلَّةِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ فَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ أَوْ التَّصْدِيرَ بِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا مَفْهُومَ لِلْبِئْرِ) أَيْ بَلْ مِثْلُهَا الْغَدِيرُ وَالْعُيُونُ وَقَوْلُهُ: وَلَا لِلْبَادِيَةِ أَيْ بَلْ مِثْلُهَا بِئْرُ الْحَاضِرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عُسْرِ الِاحْتِرَازِ إلَخْ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَالْمَاءُ الَّذِي فِي الْحَاضِرَةِ فِي الْمِيَضِ وَالْحِيضَانِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَغْطِيَتُهُ مِنْ الْوَرَقِ وَالتِّبْنِ فَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ بِمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا لَوْ أَمْكَنَ تَغْطِيَتُهُ مِمَّا ذُكِرَ وَلَمْ يُغَطَّ فَإِنَّهُ يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ إذَا خَالَطَهُ أَجْنَبِيٌّ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ مُوَافِقٌ لَهُ فِي أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَاءِ الرَّيَاحِينِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ لِطُولِ إقَامَتِهَا وَكَبَوْلٍ نَسَفَتْهُ الرِّيَاحُ حَتَّى صَارَ كَالْمُطْلَقِ فِي أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ بِمَا خَالَطَهُ لِأَجْلِ الْمُوَافَقَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ الْمُخَالِطُ مُخَالِفًا لِلْمُطْلَقِ فِي أَوْصَافِهِ لِغَيْرِ الْمُطْلَقِ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِهِ أَوْ بَعْضِهَا فَهَلْ يُقَدَّرُ ذَلِكَ الْمُخَالِطُ مُخَالِفًا

الصفحة 39