كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ انْفِكَاكِ الْمَاءِ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّيقِ إلَّا أَنَّ الْمُجِيزَ اعْتَبَرَ صِدْقَ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ، وَالْمَانِعُ اعْتَبَرَ الْمُخَالَطَةَ فِي الْوَاقِعِ أَوْ فِي حَالٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ مَدَارَ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ عَلَى ظَنِّ التَّغَيُّرِ أَوْ تَحَقُّقِهِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِظُهُورِ الرَّغْوَةِ فِيهِ أَوْ بِغِلَظِ قِوَامِهِ مِنْ غَلَبَةِ اللُّعَابِ فَلَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ قَطْعًا.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَإِنْ ظُنَّ التَّغْيِيرُ لِكَثْرَةِ الرِّيقِ أَوْ لِطُولِ مُكْثٍ أَوْ لِمَضْمَضَةٍ فَكَذَلِكَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَشْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ظَنٌّ بِأَنْ تُحُقِّقَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ أَوْ شُكَّ فَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْبَغِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ

وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْمُطْلَقِ يُكْرَهُ التَّطْهِيرُ بِهَا نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَكُرِهَ مَاءٌ) أَيْ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ يَسِيرٍ وُجِدَ غَيْرُهُ فِي طَهَارَةِ حَدَثٍ أَوْ أَوْضِيَةٍ أَوْ اغْتِسَالَاتٍ مَنْدُوبَةٍ لَا خَبَثٍ فَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَرْجَحِ (مُسْتَعْمَلٌ) ذَلِكَ الْمَاءُ قَبْلُ (فِي) رَفْعِ (حَدَثٍ) وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ وَكَذَا فِي إزَالَةِ خَبَثٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْمُسْتَعْمَلُ مَا تَقَاطَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّطْهِيرِ بِهِ قَوْلًا لِأَشْهَبَ إنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ لَهُ عَنْ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ انْفِكَاكِ الْمَاءِ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّيقِ) أَيْ وَاخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِجَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ بِمَنْعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ صِدْقُ إلَخْ) أَيْ وَاخْتِلَاطُهُ بِالرِّيقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ طَهُورًا (قَوْلُهُ: وَالْمَانِعُ اعْتَبَرَ الْمُخَالَطَةَ فِي الْوَاقِعِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَاءَ إذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا إذَا غَيَّرَهُ وَأَشْهَبُ قَدْ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ التَّطْهِيرِ بِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِي الْمَاءَ الْكَثِيرَ وَمَا يُوضَعُ فِي الْفَمِ قَلِيلٌ جِدًّا فَشَأْنُهُ التَّغَيُّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ اخْتِلَاطُ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَوْضُوعِ فِي الْفَمِ بِالرِّيقِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ طَهُورًا لِصِدْقِ حَدِّ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ وَأَشْهَبُ يَقُولُ: إنَّ اخْتِلَاطَهُ بِالرِّيقِ يُخْرِجُهُ عَنْ صِدْقِ حَدِّ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ جِدًّا فَشَأْنُهُ أَنْ يَتَغَيَّرَ بِمَا خَالَطَهُ مِنْ الرِّيقِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَخْرُجَ الْمَاءُ مِنْ الْفَمِ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِالرِّيقِ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا وَالثَّانِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ فِي الْفَمِ زَمَنًا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الرِّيقِ مِقْدَارٌ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الرِّيقِ لَغَيَّرَهُ فَإِذَا انْتَفَى الْأَوَّلُ بِأَنْ غَلَبَتْ لُعَابِيَّةُ الْفَمِ عَلَى الْمَاءِ لَانْتَفَى الْخِلَافُ وَجُزِمَ بِعَدَمِ التَّطْهِيرِ وَكَذَا لَوْ انْتَفَى الثَّانِي بِأَنْ طَالَ الْمُكْثُ وَحَصَلَتْ بِهِ مَضْمَضَةٌ لَا يُقَالُ عَلَى جَعْلِ الْخِلَافِ حَقِيقِيًّا يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ سَابِقًا وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ جَزَمَ فِيهَا بِالْمُخَالَطَةِ دُونَ هَذِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي حَالٍ) أَيْ أَوْ مَنْظُورٍ فِيهِ لِحَالٍ وَصِفَةٍ فَابْنُ الْقَاسِمِ حَكَمَ بِالْجَوَازِ نَظَرًا لِحَالَةٍ لَوْ نَظَرَ لَهَا أَشْهَبُ لَقَالَ بِقَوْلِهِ وَأَشْهَبُ حَكَمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ نَظَرًا لِحَالَةٍ لَوْ نَظَرَ لَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ لَقَالَ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ بِهِ كج وطفى (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ظَنٌّ) أَيْ بِالتَّغَيُّرِ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ أَيْ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ التَّغَيُّرِ أَوْ شَكَّ فِيهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ اسْتِعْمَالُ إلَخْ) إنَّمَا قَدَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَا بِالذَّوَاتِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ فِي إزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ حَدَثٍ أَوْ أَوْضِيَةٍ أَوْ اغْتِسَالَاتٍ مَنْدُوبَةٍ لَا فِي إزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ، وَالْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ قَلِيلًا كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ إذَا صُبَّ عَلَى الْمَاءِ الْيَسِيرِ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مُسْتَعْمَلٌ مِثْلُهُ حَتَّى كَثُرَ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ح وَابْنُ الْإِمَامِ التِّلِمْسَانِيُّ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْأَجْزَاءِ يَثْبُتُ لِلْكُلِّ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَفْيَهَا وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَرَّقَ حَتَّى صَارَ كُلُّ جُزْءٍ يَسِيرًا فَهَلْ تَعُودُ الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ وَلَا مُوجِبَ لِعَوْدِهَا كَذَا قِيلَ، وَقَدْ يُقَالُ بَلْ لَهُ مُوجِبٌ وَهُوَ الْقِلَّةُ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ نَظِيرُ مَا قِيلَ هُنَا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي خُولِطَ بِنَجِسٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ بِعِلَلٍ لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ وَالرَّاجِحُ فِي التَّعْلِيلِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَصْبَغَ يَقُولُ بِعَدَمِ الطَّهُورِيَّةِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَرَاهَةِ هُوَ تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا خَيْرَ فِيهِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْمَنْعِ وَعَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَالَ ح، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَهَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ وَالْكَرَاهَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ

الصفحة 41