كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

لَا إنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ وَلَا إنْ سَقَطَ مِنْهُ لُعَابٌ فِيهِ وَوَلَغَ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي الْأَوَّلِ

(وَ) كُرِهَ مَاءٌ (رَاكِدٌ) أَيْ غَيْرُ جَارٍ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ اسْتِعْمَالُ رَاكِدٍ وَقَوْلُهُ: (يُغْتَسَلُ فِيهِ) تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَكُرِهَ اغْتِسَالٌ بِرَاكِدٍ وَلَوْ كَثِيرًا إنْ لَمْ يُسْتَبْحَرْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ مَادَّةٌ أَوْ لَهُ مَادَّةٌ وَهُوَ قَلِيلٌ كَبِئْرٍ قَلِيلَةِ الْمَاءِ وَلَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَالْكَرَاهَةُ تَعَبُّدِيَّةٌ وَلَيْسَ قَوْلُهُ: يُغْتَسَلُ فِيهِ صِفَةٌ لِرَاكِدٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الِاغْتِسَالِ فِيهِ ابْتِدَاءً بَلْ حَتَّى يَتَقَدَّمَ فِيهِ اغْتِسَالٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

(وَ) كُرِهَ (سُؤْرُ) أَيْ بَقِيَّةُ شُرْبِ (شَارِبِ خَمْرٍ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ لَا مَنْ وَقَعَ مِنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَشُكَّ فِي فَمِهِ لَا إنْ تَحَقَّقَتْ طَهَارَتُهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ وَإِلَّا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ، وَإِنْ رُئِيَتْ إلَخْ (وَ) كُرِهَ (مَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ) لِأَنَّهُ كَمَاءٍ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَمِثْلُ الْيَدِ غَيْرُهَا كَرِجْلٍ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ طَهَارَةَ الْعُضْوِ كُرِهَ (وَ) كُرِهَ سُؤْرُ (مَا) أَيْ حَيَوَانٍ (لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا) كَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ وَقَوْلُهُ: (مِنْ مَاءٍ) يَسِيرٍ بَيَانٌ لِسُؤْرٍ وَلِمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَلِسُؤْرٍ الْمُقَدَّرِ هُنَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا كَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يُحَرِّكْهُ) أَيْ لَا إنْ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِيهِ وَلَمْ يُحَرِّكْهُ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَلَا فِي حُكْمِ خَبَثٍ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَرَاكِدٌ) عَطْفٌ عَلَى مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ وَهُوَ غَيْرُ الْجَارِي يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ: أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَبْحَرًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ أَصْلًا أَوْ لَهُ مَادَّةٌ إلَّا أَنَّهُ قَلِيلٌ، وَأَنْ لَا يُضْطَرَّ إلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَدَنِهِ وَسَخٌ يُغَيِّرُ الْمَاءَ، فَإِنْ وُجِدَتْ تِلْكَ الْقُيُودُ الْأَرْبَعَةُ كُرِهَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ يَجُوزُ إنْ انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ إنْ انْتَفَى الرَّابِعُ (قَوْلُهُ: يَغْتَسِلُ فِيهِ) ظَاهِرُهُ كَانَ الْمُغْتَسِلُ جُنُبًا أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَقَيَّدَ غَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْمُغْتَسِلُ جُنُبًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ سَنَدٌ وَمَذْهَبُ أَصْبَغَ خَارِجٌ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَمَرْدُودٌ مِنْ حَيْثُ السُّنَّةُ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ اُنْظُرْ ح قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ فِيهِ وَيُعْطَى بِظَاهِرِهِ أَنَّ التَّنَاوُلَ مِنْهُ لِلْغُسْلِ خَارِجَهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ مَادَّةٌ إلَخْ) ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ فَلَا كَرَاهَةَ، وَذَلِكَ كَالْبِئْرِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ وَمَغَاطِسِ الْحَمَّامَاتِ وَالْمَسَاجِدِ إذَا دَامَ الْمَاءُ نَازِلًا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ أَخَلَّ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَحَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ فِي الرَّاكِدِ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَبْحَرْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ مَادَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ جَسَدُ الْمُغْتَسِلِ نَقِيًّا مِنْ الْأَذَى أَوْ بِهِ أَذًى وَلَكِنْ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ يَسْلُبُهَا مُنِعَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ فَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ حَالَةُ جَوَازٍ لِلِاغْتِسَالِ فِيهِ بَلْ إمَّا الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ تَعَبُّدِيَّةٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْرُمُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَبِالْجَسَدِ أَوْسَاخٌ وَإِلَّا جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَاكِدٌ إلَخْ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ حَالَةٌ يُكْرَهُ فِيهَا الِاغْتِسَالُ فِي الرَّاكِدِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى كَلَامِ مَالِكٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَخْ) أَيْ هَذَا إذَا اغْتَسَلَ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ بَلْ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَالْكَرَاهَةُ تَعَبُّدِيَّةٌ) أَيْ لِقَوْلِهِمْ بِكَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ فِيهِ إذَا وُجِدَتْ الْقُيُودُ الْأَرْبَعَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِبَدَنِهِ وَسَخٌ أَوْ كَانَ نَقِيًّا

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ سُؤْرُ إلَخْ) أَيْ كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ حَدَثٍ وَحُكْمِ خَبَثٍ وَكُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهُورٍ لَا فِي الْعَادَاتِ (قَوْلُهُ: شَارِبِ خَمْرٍ) أَيْ أَوْ نَبِيذٍ فَلَوْ قَالَ مُسْكِرٌ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا مَنْ وَقَعَ مِنْهُ) أَيْ الشُّرْبُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِهِ (قَوْلُهُ: وَشَكَّ فِي فَمِهِ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا إنْ تَحَقَّقَتْ طَهَارَتُهُ) أَيْ أَوْ ظُنَّتْ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ كَالتَّحَقُّقِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ) أَيْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ أَدْخَلَ شَارِبُ الْخَمْرِ يَدَهُ فِيهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ شَكَّ فِي طَهَارَةِ تِلْكَ الْيَدِ وَعَدَمِ طَهَارَتِهَا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْيَدِ غَيْرُهَا) أَيْ مِنْ أَعْضَاءِ شَارِبِ الْخَمْرِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ مُزَاوَلَةَ الْخَمْرِ بِهَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ طَهَارَةَ الْعُضْوِ) أَيْ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَمِثْلُ تَحَقُّقِ الطَّهَارَةِ وَظَنِّهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ غَالِبٍ كَمَا مَرَّ وَاعْلَمْ أَنَّ كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِ سُؤْرِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا وَوُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ فِي اسْتِعْمَالِهِ وَإِذَا تَوَضَّأَ شَخْصٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ السُّؤْرِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ نَدْبًا لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَطْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَتَوَقَّى) عُطِفَ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِي الْخِيَاطَةِ. وَقَوْلُهُ: وَكُرِهَ سُؤْرُ مَا لَا يَتَوَقَّى فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ كُرِهَ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ.
(قَوْلُهُ: كَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ) ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْبَهِيمِيُّ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِهِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ لَا كَمَا مَرَّ لِلشَّارِحِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ طفى عِنْدَ قَوْلِهِ سَابِقًا

الصفحة 44