كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

وَاجْتَبَاهُمْ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ وَالرَّسُولِ الْأَكْرَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَآلِ كُلٍّ وَالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَلَى سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ خُصُوصًا الْأَرْبَعَةَ الْمُجْتَهَدِينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ (أَمَّا بَعْدُ) فَيَقُولُ أَفْقَرُ الْعِبَادِ إلَى مَوْلَاهُ الْقَدِيرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْدِيرِ: هَذَا شَرْحٌ مُخْتَصَرٌ عَلَى الْمُخْتَصَرِ لِلْإِمَامِ الْجَلِيلِ الْعَلَّامَةِ أَبِي الضِّيَاءِ سَيِّدِي خَلِيلٍ اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى فَتْحِ مُغْلَقِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْجَئُونَ لَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمَّا لُجُوءُهُمْ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِالنَّظَرِ لِشَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَالْمَنَازِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ لِتَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُمْ كَيْفِيَّةَ التَّمَنِّي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَوْلُهُ: وَاجْتَبَاهُمْ) أَيْ وَاخْتَارَهُمْ فِي أَزَلِهِ لِذَلِكَ عَمَّنْ عَدَاهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ
(قَوْلُهُ: الْأَعْظَمِ) أَيْ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ (قَوْلُهُ: الْأَكْرَمِ) أَيْ مِنْ كُلِّ كَرِيمٍ (قَوْلُهُ: وَعَلَى سَائِرِ إلَخْ) أَيْ بَاقِي مِنْ السُّؤْرِ بِمَعْنَى الْبَقِيَّةِ أَوْ أَنَّ سَائِرَ بِمَعْنَى جَمِيعِ أَخْذًا لَهُ مِنْ سُورِ الْبَلَدِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِهَا (قَوْلُهُ: وَآلِ كُلٍّ) أَيْ وَعَلَى آلِ كُلٍّ أَيْ أَتْبَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، وَقَوْلُهُ وَالْقَرَابَةِ أَيْ قَرَابَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْ أَقَارِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ وَالتَّابِعِينَ أَيْ لِلصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى سَائِرِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَيْ بَاقِيهِمْ فَهُوَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ أَوْ جَمِيعِهِمْ فَيَكُونُ عَطْفَ عَامٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَائِرَ قِيلَ: إنَّهَا بِمَعْنَى بَاقٍ وَقِيلَ بِمَعْنَى جَمِيعٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ هُنَا (قَوْلُهُ: خُصُوصًا) مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفِ أَيْ أَخُصُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ بَعْدَ مَنْ تَقَدَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْمُجْتَهِدِينَ خُصُوصًا (قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ الْجَزَاءِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ لِوُقُوعِ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْغَايَةَ إنْ جُعِلَتْ رَاجِعَةً لِلْمُقَلِّدِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ وَالْمَعْنَى وَمُقَلِّدِيهِمْ حَالَةَ كَوْنِهِمْ مُسْتَمِرِّينَ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ إلَى قُرْبِ يَوْمِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ الْكُفَّارِ وَإِنْ جُعِلَتْ رَاجِعَةً لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ التَّأْبِيدِ أَيْ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ حَالَةَ كَوْنِهَا مُسْتَمِرَّةً إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ ذِكْرِ الْغَايَةِ وَإِرَادَةِ التَّأْبِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ
إذَا غَابَ عَنْكُمْ أَسْوَدُ الْعَيْنِ كُنْتُمْ ... كِرَامًا وَأَنْتُمْ مَا أَقَامَ أَلَائِمُ
(قَوْلُهُ: أَفْقَرُ الْعِبَادِ) أَيْ أَشَدُّ الْعِبَادِ افْتِقَارًا إلَى مَوْلَاهُ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ إذْ كُلُّ مَخْلُوقٍ مُفْتَقِرٌ إلَى خَالِقِهِ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ فَلَيْسَ أَحَدٌ أَشَدَّ افْتِقَارًا مِنْ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: شَرْحٌ مُخْتَصَرٌ) أَيْ مِنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي والشبرخيتي وَالتَّتَّائِيِّ وَمِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَالْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ: عَلَى فَتْحِ مُغْلَقِهِ) أَيْ بَيَانِ تَرَاكِيبِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ مُغْلَقِهِ تَرَاكِيبُهُ أَيْ عِبَارَاتُهُ الصَّعْبَةُ وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهَا تَبْيِينُهَا وَتَوْضِيحُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ بِالِاسْتِعَارَةِ فَقَدْ شَبَّهَ صُعُوبَةَ التَّرَاكِيبِ بِغَلْقِ الْأَبْوَابِ بِجَامِعِ عُسْرِ التَّوَصُّلِ لِلْمَطْلُوبِ مَعَ كُلٍّ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ

الصفحة 5