كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

فَلَبَنُهُ طَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّ لَبَنَ الْمَكْرُوهِ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَحْمُهُ نَجِسًا بَعْدَهَا وَهُوَ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ فَلَبَنُهُ نَجِسٌ (وَ) الطَّاهِرُ (بَوْلٌ وَعَذِرَةٌ) يَعْنِي رَوْثًا (مِنْ مُبَاحٍ) أَكْلُهُ (إلَّا الْمُتَغَذِّي) مِنْهُ (بِنَجِسٍ) أَكْلًا أَوْ شُرْبًا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا كَشَكٍّ وَكَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ كَدَجَاجٍ وَفَارٍ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ كَحَمَامٍ وَخَرَجَ بِالْمُبَاحِ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ وَفَضْلَتُهُمَا نَجِسَةٌ كَمَا يَأْتِي (وَ) مِنْ الطُّهْرِ (قَيْءٌ) وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الطَّعَامِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي الْمَعِدَةِ (إلَّا الْمُتَغَيِّرُ) مِنْهُ بِنَفْسِهِ (عَنْ) حَالَةِ (الطَّعَامِ) فَنَجِسٌ وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ، فَإِنْ كَانَ تَغَيُّرُهُ بِصَفْرَاءَ أَوْ بَلْغَمٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ فَطَاهِرٌ وَالْقَلْسُ كَالْقَيْءِ فِي التَّفْصِيلِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ وَلَوْ بِحُمُوضَةٍ فَنَجِسٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ تَغَيُّرُهُ بِالْحُمُوضَةِ لَا يَضُرُّ وَرَجَّحَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ وَخَالَفَ شُرَّاحَهُ فِي اعْتِمَادِ نَجَاسَتِهِ (وَ) الطَّاهِرُ (صَفْرَاءُ) وَهِيَ مَاءٌ أَصْفَرُ مُلْتَحِمٌ يُشْبِهُ الصِّبْغَ الزَّعْفَرَانِيَّ يَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ (وَبَلْغَمٌ) وَهُوَ الْمُنْعَقِدُ كَالْمُخَاطِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ أَوْ يَسْقُطُ مِنْ الرَّأْسِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ عِنْدَنَا طَاهِرَةٌ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا طَاهِرٌ وَعِلَّةُ نَجَاسَةِ الْقَيْءِ الِاسْتِحَالَةُ إلَى فَسَادٍ (وَ) مِنْ الطَّاهِرِ (مَرَارَةُ مُبَاحٍ) وَكَذَا مَكْرُوهٌ فَلَوْ قَالَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَشَمِلَهُمَا وَمُرَادُهُ بِالْمَرَارَةِ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ الْكَائِنُ فِي الْجِلْدَةِ الْمَعْلُومَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْسَ الْجِلْدَةِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي قَوْلِهِ وَجُزْؤُهُ وَلَيْسَتْ هِيَ الصَّفْرَاءَ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالصَّفْرَاءِ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ حَالَ حَيَاتِهِ وَمُرَادُهُ بِالْمَرَارَةِ مَرَارَةُ الْمُذَكَّى وَلِذَا قَيَّدَهَا بِالْمُبَاحِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّفْرَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ وَاعْتِرَاضُ الشَّارِحِ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ خش.
(قَوْلُهُ: فَلَبَنُهُ طَاهِرٌ) وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِلَبَنِ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ) أَيْ فِي كَرَاهَةِ الشُّرْبِ وَعَدَمِهِ بَلْ فِي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ: وَبَوْلٌ وَعَذِرَةٌ مِنْ مُبَاحٍ) هَذَا، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ إمَّا لِاسْتِقْذَارِهِ أَوْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَقُولُونَ بِنَجَاسَتِهِمَا، وَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْغَنَمِ وَالسِّبَاعِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ فَهَلْ تَكُونُ فَضْلَتُهُ طَاهِرَةً أَوْ نَجِسَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْأُمِّ لِقَوْلِهِمْ: كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا اهـ خش وَفِي المج لَيْسَ مِنْ التَّلْفِيقِ الَّذِي قِيلَ بِجَوَازِهِ مُرَاعَاةَ الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَةِ الْخَيْلِ وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ رَجِيعِ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا عَيَّنَ لِلْإِبَاحَةِ أَشْيَاءَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَعْنِي رَوْثًا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَذِرَةَ إنَّمَا تُقَالُ لِفَضْلَةِ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فَضْلَةُ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا رَوْثٌ (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُتَغَذِّي بِنَجِسٍ) أَيْ فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ نَجِسَانِ مُدَّةَ ظَنِّ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي جَوْفِهِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ شَأْنُهُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلشَّكِّ (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) أَيْ لَا إنْ شَكَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ لَهَا وَلَمْ يَكُنْ شَأْنُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُتَغَيِّرُ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ) أَيْ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا، فَإِذَا تَغَيَّرَ بِحُمُوضَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ سَنَدٌ وَالْبَاجِيِّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافًا لِلتُّونُسِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ حَيْثُ قَالُوا: لَا يَنْجُسُ الْقَيْءُ إلَّا إذَا شَابَهُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ (قَوْلُهُ: وَالْقَلْسُ) هُوَ مَاءٌ تَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ أَوْ يَقْذِفُهُ رِيحٌ مِنْ فَمِهَا، وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ طَعَامٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَغَيَّرَ) أَيْ عَنْ حَالَةِ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَهُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ) أَيْ وَلَا يَكُونُ الْقَلْسُ نَجِسًا إلَّا إذَا شَابَهُ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَيْءِ وَالْقَلْسِ (قَوْلُهُ: تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ) أَرَادَ بِهِ طفى
(قَوْلُهُ: نَجَاسَتُهُ) أَيْ نَجَاسَةُ الْقَلْسِ الْمُتَغَيِّرِ بِالْحُمُوضَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَلْسَ لَا يَنْجُسُ اتِّفَاقًا إلَّا بِمُشَابَهَةِ الْعَذِرَةِ فَلَا تَضُرُّ حُمُوضَتُهُ لِخِفَّتِهِ وَتَكَرُّرِهِ وَهَلْ كَذَلِكَ الْقَيْءُ أَوْ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمُطْلَقِ التَّغَيُّرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ تَأْوِيلًا هَذَا حَاصِلُ مَا حَرَّرَهُ طفى وَرَدَّ عَلَى ح وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُ فِي تَشْهِيرِ التَّنْجِيسِ بِمُطْلَقِ التَّغَيُّرِ فِيهِمَا (تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ طَهَارَةَ الْقَيْءِ تَقْتَضِي طَهَارَةَ مَا وَصَلَ لِلْمَعِدَةِ مِنْ خَيْطٍ أَوْ دِرْهَمٍ لَكِنْ فِي كَبِيرِ خش أَنَّهُمْ قَالُوا بِنَجَاسَتِهِمَا، وَأَمَّا الَّذِي أُدْخِلَ فِي الدُّبُرِ فَنَجِسٌ قَطْعًا كَمَا فِي ح كَذَا فِي المج (قَوْلُهُ: وَصَفْرَاءُ) أَيْ وَمِنْ الطَّاهِرِ صَفْرَاءُ وَبَلْغَمٌ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالنُّخَامَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ آدَمِيٍّ) أَنَّ سَوَاءً كَانَ كُلٌّ مِنْ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ مِنْ آدَمِيٍّ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعِدَةَ) إلَخْ عِلَّةٌ لِطَهَارَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَيْءِ وَالصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ لَا يُقَالُ مُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ طَهَارَةُ الْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ عَنْ الطَّعَامِ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ طَاهِرًا حَيْثُ خَرَجَ بِحَالِهِ وَلَا يَرِدُ الصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَخْرُجَا بِحَالِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَنْدُرُ خُرُوجُ الصَّفْرَاءِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا بَقِيَ بِحَالِهِ وَالْبَلْغَمُ لَمَّا كَانَ يَتَكَرَّرُ خُرُوجُهُ وَيَكْثُرُ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تُوجِبُ الْمَشَقَّةَ كَذَا قِيلَ.
وَفِيهِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تَقْتَضِي الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي الْعَفْوَ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعِلَّةُ نَجَاسَةِ الْقَيْءِ) أَيْ إذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ هِيَ) أَيْ مَرَارَةُ الْمُبَاحِ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الصَّفْرَاءِ) أَيْ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مُبَاحًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَاعْتِرَاضُ الشَّارِحِ) أَيْ الْعَلَّامَةِ بَهْرَامَ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَحَاصِلُ اعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَمَرَارَةُ مُبَاحٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمَرَارَةِ الْمَاءَ الْأَصْفَرَ الْمُرَّ الْخَارِجَ مِنْ الْفَمِ فَهُوَ الصَّفْرَاءُ، وَإِنْ أَرَادَ وِعَاءَهُ فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ وَجُزْؤُهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا نَخْتَارُ

الصفحة 51