كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا وَإِنْ عُلِمَتْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَعْدَادِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ وَحَصْرِهَا (وَ) النَّجِسُ (مَيْتُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ) وَهُوَ بَرِّيٌّ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إذَا كَانَ غَيْرَ قَمْلَةٍ وَآدَمِيٍّ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (قَمْلَةً) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ مَيْتَتِهَا لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي فِيهَا مُكْتَسَبٌ لَا ذَاتِيٌّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ ذَاتِيٌّ وَيُعْفَى عَنْ الْقَمْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِلْمَشَقَّةِ (أَوْ) كَانَ (آدَمِيًّا) ضَعِيفٌ (وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ كَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ وَعِيَاضٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى (طَهَارَتُهُ) وَلَوْ كَافِرًا عَلَى التَّحْقِيقِ (وَ) النَّجِسُ (مَا أُبِينَ) أَيْ انْفَصَلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَعَلَّقَ بِيَسِيرِ لَحْمٍ أَوْ جِلْدٍ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ لِهَيْئَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ بِالِاسْتِثْنَاءِ الِاسْتِثْنَاءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مُطْلَقُ الْإِخْرَاجِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَدَاةِ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِغَيْرِهَا كَمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الِاسْتِثْنَاءُ الْحَقِيقِيُّ أَيْ مَا كَانَ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ مَا اُسْتُثْنِيَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِنَا أَوْ حُكْمًا أَوْ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ اصْطِلَاحِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ لِقَوْلِنَا أَوْ حُكْمًا.
وَحَاصِلُ مَا اسْتَثْنَاهُ فِيمَا مَرَّ ثَمَانِيَةٌ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ وَالصُّوفِ الْمَنْتُوفِ وَالْمُسْكِرِ وَالْمَذَرِ وَالْخَارِجِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ دَمْعٍ وَعَرَقٍ وَلُعَابٍ وَمُخَاطٍ وَبَيْضٍ وَلَبَنِ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ وَالْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ مِنْ الْمُتَغَذِّي بِنَجِسٍ وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمُخَرَّجَاتِ الْمُسْتَثْنَاةَ بِإِلَّا وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عُلِمَتْ أَيْ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَالنَّجِسُ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَمَيْتُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ عَطْفٌ عَلَى مَا اُسْتُثْنِيَ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَا ذُكِرَ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ مَيْتَةٌ مَا لَا دَمَ لَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ وَمَيِّتِ الْبَحْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مَيِّتُ الْبَرِّيِّ الَّذِي لَهُ دَمٌ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ غَيْرَ قَمْلَةٍ) أَيْ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغِ وَالسَّحَالِي سَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِذَكَاةٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ كَمُذَكَّى مَجُوسِيٍّ أَوْ كِتَابِيٍّ بِقَصْدِ تَعْظِيمِ صَنَمِهِ بِأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ إلَهُهُ فَذَبَحَهُ تَقَرُّبًا إلَيْهِ أَوْ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَمْدًا أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَكْرَانَ أَوْ مَصِيدِ كَافِرٍ أَوْ ذَبْحِ مُحْرِمٍ لِصَيْدٍ فَكُلُّ هَذِهِ مَيْتَةٌ نَجِسَةٌ (قَوْلُهُ: بَلْ وَلَوْ كَانَ) أَيْ مَيِّتُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ) أَيْ وَهُوَ الْإِمَامُ سَحْنُونٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّمَ) عِلَّةٌ لِلْقَوْلِ بِطَهَارَتِهَا (قَوْلُهُ: عَنْ الْقَمْلَتَيْنِ) أَيْ الْمَيْتَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالثَّلَاثُ) أَيْ الْمَيْتَاتُ إذَا كَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَصَلَّى بِهِ وَكَذَا يُعْفَى عَنْ قَتْلِ الثَّلَاثِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ح وَنَقَلَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ لِقَتْلِ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ يَنْوِي ذَكَاتَهَا قَالَ ح كَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ مَنْ عَمِلَ الذَّكَاةَ فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَإِنَّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْقَمْلَةِ إجْمَاعًا، فَإِنْ بَنَى عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّ الْقَمْلَةَ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ لَمْ يَحْتَجْ لِلتَّذْكِيَةِ إلَّا زِيَادَةَ احْتِيَاطٍ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ آدَمِيًّا) أَيْ وَلَوْ كَانَ مَيِّتَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ آدَمِيًّا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِنَجَاسَةِ مَيْتَتِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ) ، وَلَوْ كَافِرًا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ فِي مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ الْخِلَافَ، وَأَمَّا مَيْتَةُ الْجِنِّ فَنَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْآدَمِيَّ فِي الشَّرَفِ، وَإِنْ اقْتَضَى عُمُومُ «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» أَنَّ لَهُ مَا لِلْآدَمِيِّ، وَلَوْ قِيلَ بِطَهَارَةِ مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ الْفَرْعُ نَصًّا قَدِيمًا اهـ مج (قَوْلُهُ: عَلَى التَّحْقِيقِ) قَالَ عِيَاضٌ: لِأَنَّ غَسْلَهُ وَإِكْرَامَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَأْبَى تَنْجِيسَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِغُسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ «وَلِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى سَهْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ» وَلِمَا ثَبَتَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ الْمَوْتِ» ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي طَهَارَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَعَدَمِهَا عَامٌّ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَقِيلَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا مَيْتَةُ الْكَافِرِ فَنَجِسَةٌ اتِّفَاقًا

الصفحة 53