كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 1)

(بِمُطْلَقِ صَوْمٍ) أَيْ أَيِّ صَوْمٍ كَانَ سَوَاءٌ قُيِّدَ بِزَمَنٍ كَرَمَضَانَ أَوْ سَبَبٍ كَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ أَوْ أَطْلَقَ كَتَطَوُّعٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُفْطِرٍ وَلَوْ لِعُذْرٍ فَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ (وَلَوْ) كَانَ الِاعْتِكَافُ (نَذْرًا) فَلَا يَحْتَاجُ الْمَنْذُورُ إلَى صَوْمٍ يَخُصُّهُ بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) بِمُطْلَقِ (مَسْجِدٍ) مُبَاحٍ لَا بِمَسْجِدِ بَيْتٍ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ (إلَّا لِمَنْ فَرَضَهُ الْجُمُعَةَ) مِنْ ذَكَرٍ حُرٍّ مُقِيمٍ بِلَا عُذْرٍ، وَإِنْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (تَجِبُ بِهِ) أَيْ فِيهِ أَيْ فِي زَمَنِ اعْتِكَافِهِ الَّذِي يُرِيدُهُ الْآنَ ابْتِدَاءً كَنَذْرِ اعْتِكَافِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ أَوْ انْتِهَاءً كَنَذْرِ أَرْبَعَةٍ أَوَّلُهُنَّ السَّبْتُ فَمَرِضَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ وَصَحَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ (فَالْجَامِعُ) هُوَ الْمُتَعَيِّنُ (مِمَّا) أَيْ فِي كُلِّ مَكَان (تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ) اخْتِيَارًا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَامِعِ وَلِلْمَسْجِدِ عَلَى تَقْدِيرِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ بِرَحْبَتِهِ وَطُرُقِهِ الْمُتَّصِلَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَكَفَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ غَيْرَ الْجَامِعِ وَقَدْ نَذَرَ أَوْ نَوَى أَيَّامًا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ (خَرَجَ) لَهَا وُجُوبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ لِمُسْلِمٍ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَقَوْلُهُ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ خَبَرٌ ثَانٍ أَيْ صِحَّتُهُ كَائِنَةٌ لِمُسْلِمٍ وَصِحَّتُهُ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ (قَوْلُهُ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ وَصِحَّتُهُ مُتَلَبِّسَةٌ بِمُطْلَقِ صَوْمٍ، وَأَمَّا الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ وَبِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ فَيَصِحُّ جَعْلُهَا لِلْمُلَابَسَةِ وَلِلظَّرْفِيَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِصَوْمٍ مُطْلَقٍ لِئَلَّا يَخْرُجَ مَا قُيِّدَ بِزَمَنِهِ كَرَمَضَانَ وَمَا قُيِّدَ بِسَبَبِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فَمُطْلَقُ الصَّوْمِ أَعَمُّ مِنْ الصَّوْمِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الصَّوْمِ يَشْمَلُ الصَّوْمَ الْمُطْلَقَ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِزَمَنٍ أَوْ بِسَبَبٍ وَيَشْمَلُ مَا كَانَ مُقَيَّدًا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ (قَوْلُهُ كَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ) أَيْ فَالصَّوْمُ الْمَنْذُورُ وَالْكَفَّارَةُ لَا يُوجَدَانِ إلَّا إذَا وُجِدَ سَبَبُهُمَا، وَهُوَ النَّذْرُ وَمُوجِبُ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ أَوْ أُطْلِقَ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَنِ وَالسَّبَبِ (قَوْلُهُ فَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ) أَيْ لِكِبَرٍ أَوْ لِضَعْفٍ بُنْيَةٍ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ الْمَنْذُورَ) أَيْ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ وَقَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ أَيْ وَفِي غَيْرِهِ بِصَوْمِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ كَمَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ غَيْرَ الْمَنْذُورِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ مَنْذُورَيْنِ أَوْ مُتَطَوَّعًا بِهِمَا أَوْ الْأَوَّلُ مَنْذُورٌ وَالثَّانِي مُتَطَوَّعٌ بِهِ وَعَكْسُهُ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الصَّوْمِ مَنْذُورًا أَنَّهُ نَذَرَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَالْمُرَادُ بِتَطَوُّعِهِ نِيَّتُهُ لِلصَّوْمِ قَبْلَ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ صِحَّتِهِ مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٍ لَا بُدَّ لِلِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ مِنْ صَوْمٍ يَخُصُّهُ بِنَذْرِهِ أَيْ يَخُصُّهُ بِسَبَبِ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ أَيْ أَنَّ النَّذْرَ كَمَا هُوَ سَبَبٌ فِي وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ سَبَبٌ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صَوْمِ مَنْذُورٍ كَالِاعْتِكَافِ فَلَا يَصِحُّ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي كَفَّارَتِهِ وَلَا فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ نَذْرَ الِاعْتِكَافِ نَذْرٌ لِلصَّوْمِ فَلَا يَصِحُّ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا بِصَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَلَا بِالصَّوْمِ الَّذِي نَذَرَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ، وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ الَّذِي نَوَاهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ الَّذِي نَذَرَهُ فَيَصِحُّ فِيهِ الِاعْتِكَافُ الْمَنْذُورُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَنْذُورًا بِنَذْرِ الِاعْتِكَافِ كَذَا أَفَادَهُ عج وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَنَذْرُ الِاعْتِكَافِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْكَانِهِ وَنَذْرُ الْمَاهِيَّةِ نَذْرٌ لِأَجْزَائِهَا عَلَى الثَّانِي لَا عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَبِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ لَا بِمَسْجِدِ بَيْتٍ أَيْ وَلَا فِي الْكَعْبَةِ وَلَا فِي مَقَامِ وَلِيٍّ (قَوْلُهُ ابْتِدَاءً) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَيَجِبُ فِيهِ وَقَوْلُهُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ أَيْ لِذَلِكَ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي كُلِّ مَكَان) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمِنْ مَعَ أَنَّ فِي أَوْضَحُ؛ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ إدْغَامِ النُّونِ فِي الْمِيمِ سَقَطَ حَرْفٌ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ فِي فَإِنَّ يَاءَهَا لَا تُدْغَمُ فِي الْمِيمِ. (قَوْلُهُ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ) رَاجِعٌ لِلْجَامِعِ وَكَذَا لِلْمَسْجِدِ بِتَقْدِيرِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُمَا بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ مِنْهُمَا.
(قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ بِرَحْبَتِهِ) هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاخْتِيَارِ فِي الصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ أَنَّ الرَّحْبَةَ وَالطُّرُقَ خَارِجَةٌ بِنَفْسِ الْمَسْجِدِ إذْ لَا يُقَالُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْجِدًا وَأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ بَيْتِ الْقَنَادِيلِ وَالسِّقَايَةِ وَالسَّطْحِ مِمَّا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا حَاجَةَ لِقَيْدِ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّحْبَةِ وَالطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ يُقَالُ لَهُمَا مَسْجِدٌ فَقَيْدُ الِاخْتِيَارِ لَا يُخْرِجُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ فِيهِمَا مُطْلَقًا ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَمْ لَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ أَمْ لَا خِلَافًا لِتَفْصِيلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ اُنْظُرْ بْن ثُمَّ ذَكَرُوا هُنَا عَدَمَ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي الرِّحَابِ وَالطُّرُقِ فَمَا هُنَا فَرْعٌ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ اهـ عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا خَرَجَ وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ يَجْهَلُ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ مُبْطِلٌ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَيُعْذَرُ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِهِ قَالَهُ الشَّارْمَسَاحِيُّ وَمِثْلُهُ فِي خش وَقَيَّدَ خش أَيْضًا قَوْلُهُ وَبَطَلَ بِمَا إذَا نَذَرَ أَوْ نَوَى أَيَّامًا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ قَالَ فَلَوْ نَذَرَ

الصفحة 542